رأيمستجدات

مشروع اجتماعــي حضــاري

بقلم: الأستاذ عبد الله الفردوس //

كما ظهر ذلك في الاجتمــاع الأول للجنـة الوزاريــة لقيادة إصـلاح وحكامـة منظـومـة الحمايــة الاجتماعية، يتضــح بأن العمــل الحكومـي في هــذا المجـال سائر نحـو مرحلــة السرعــة القصـوى في إنجــاز المهــام التي طرحهـا ويطرحهــا رهــان الإصـلاح الشامـل لآليات وأنظمة الخـدمات الاجتماعيــة والدعـم الاجتماعي لفــائدة المواطنات والمواطنيــن.
ويبـدو أن أحـد العناصر التي كانت وراء التفاؤل المعبر عنــه من لــدن رئيس الحكــومة، في كلمته خلال الاجتمــاع المذكـور، هـي الخطـوات التي انطلقت الآن في اتــجاه إعــداد (السجل الاجتماعي) الذي على أساســه ستتحــدد لوائــح المستفيدين من مختلف البرامـج الاجتماعيـة بــدءا بصندوق التماسـك الاجتماعـي وصندوق التكافل العائلي إلى برامج دعــم الأسرة وحمايــة الطفولة والأشخاص المسنيـن، ومن هـم في وضعيــة إعــاقــة.
وهناك حقيقــة واضحــة هي أن البرامـج، التي تنــدرج ضمن الحماية الاجتماعيــة والتكــافل والتضامن المجتمعي، تعــد اليوم بمثابــة ورش وطنــي كبيــر فـي كل أبعــادها وفـي النتــائج والأهداف المـرجوة منهــا، ولاسيما في ما يهــم الولوج إلى الخــدمات الاجتمــاعية العمــومية، ومحاربـة الهشاشـة، ودعـم القدرة الشرائية للفئات الهشة، والتصدي للأمراض الاجتماعيــة، والتقليص مـن هــوة الفوارق الطبقــية، الخ …
ثـم هـناك حقيقــة أخرى، لا مجال لتجاهلها، والمتمثلــة في كـون الحمـاية الاجتماعية بآليـاتها وحكــامتها ظلت دون مستــوى الاستجابــة لحاجيـات وانتظارات جـزء هام من الشرائح المفـروض أن تكــون ضمن المستهــدفين بالعمـل الاجتماعي، بل إن ما هو مرصود لهــذه الغايـــة لا يصــل دائمـا إلى المعنييـــن، والسيد رئيس الحكومـة نفسـه يقـــول: “حيث إنـه رغم المجهــودات المهمـة التي بذلتـها بــلادنا من أجــل إعــادة الاعتبـار للقطاعـات الاجتماعيـة وحجـم الموارد التي خصـصت لذلـك، فإنه يبـدو أن تأثيـر ما يصرف مـن اعتـمادات، لا يصـل إلى الحيـاة اليوميـة للمواطن بالشكـل المطلوب، نظرا لحجـم الخصاص ومحـدودية الموارد من جهة، وغيــاب استهـداف دقيق للفئـات المعـوزة، ولضعف الحكامـة والمراقبـة من جهة أخــرى”.
ومن جهتهـا، تورد تقارير، صادرة عـن مؤسسات دستـورية وغيـرها، معطيات وأرقــاما (صادمة في بعض الحالات)، تبرز ضخامــة وتعقـد إشكالات الشأن الاجتماعي وآليات تـدبيره، فالتقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابـات، المصادر خلال الشهر الجاري، يقول بأنــه، وبخصوص صندوق دعـم التماسك الاجتماعي “لوحظ غيـاب إستراتيجية منـدمجة لتفعيل برامج الـدعم الاجتماعـي ، وعـدم توفر برمجــة متناسقة لموارد الصـندوق ونفقــاته ، وكذا تأخر في تفعيل خـدماته”، ويضيف التقرير “أن الصندوق راكم رصيدا يناهز 8 ملايير و584 مليون درهم عند نهــاية سنة 2016، في حيـن تعـرف كل البرامج الممـولة من طرفه عـدة اختلالات، ترجع بالأساس إلى ضعف التمـويل”.
وبشأن وضعيـة الطفــولة، تشير دراسة أنجزها المرصد الوطني للتنميـة البشرية (نشرت شهر ماي من السنة الجارية) إلى أن 39 بالمائة من الأطفال المغاربة (في سن 17 سنة وأقل) يعيشون في وضعية فقـر متعدد الأبعاد، كما يورد التقرير “أن 27 بالمائة مـن الأطفال (بين 0 و4 سنوات) يعانـون مـن ضعف التغــذية”.
وفي ما يخص الوضع الصحـي، تفيـد نتائج المسح الوطني حول السكان وصحة الأسرة (برسم 2017 ـ 2018) بأن نسب الإصابة بالأمراض المزمنـة انتقلت من 18،2 بالمائـة سنة 2011 إلى 21 بالمائــة سنة 2018، وأن نسب الإصابة بأمراض القلب والشـرايين انتقلت مـن 5،4 بالمائة إلــى 6،8 بالمائة خلال الفتـرة نفسها، هـذا فيما تسجل تقارير حقوقية ضعف خـدمات وجـودة العـرض الصحي سواء على مستوى التجهيزات أو الأطر الطبيــة.
أما القصد مـن إيراد هــذه الأمثلــة، المؤكد أنها ليست باكتشاف جديد، هو تقديمها كنماذج عن طبيعة وحجــم ملفات الشأن الاجتماعي التي تمــس الغالبيـة العظمى من الأســر المغربيــة في العالم القروي، كما في المجالات الحضريــة، والتي تعــد من أبرز المشــاكل والتحــديات التي تطــرح ســؤال التوازن والتناسق في مستـــوى حيــاة وعيـش شــرائح ومكـــونات المجتمــع.
فالمعروف عن المجتمع المغــربي أنه كـان دائما مجتمعا متضامنا، على أن المطلوب اليوم هو تحــديث وتطوير آليات وأشكـال هــذا التضامــن وقيمــه وفضائلــه، وذلك بما ينسجم أو يتجاوب مـع التحولات التي عرفها المجتمع المغـربي نفسه، وبما يمكـن العمل الاجتماعي مـن استثمار الإمكانيات المتاحـة، وتوظيف الآليات والأساليب الحــديثة في ترسيخ وتوسيــع طابعــه المؤسساتي.
وإن كانت النماذج أو الأمثلة الواردة أعلاه، تؤشر على أن المشاكل ليست بالهينة، وأن الخصاص كبير والإشكالات متعــددة، فإن ذلك بالذات هو ما يحتــم على الجميـع، دولة ومجتمـعا، الانخـراط الكـامل والفاعـل في هـذا الورش، في تجــاوب تــام مـع مضامين الخطب الملكيــة التي تؤكــد على ضرورة جعــل التماسك الاجتماعــي الغايــة الرئيسية للتنمية والنماء الاقتصادي، وباستحـضار قـول جلالة الملك (في خطاب العرش 2014) : “أنا لا تهـمني الحصيلة والأرقام فقط، وإنما يهمني قبل كل شــيء، التأثير المباشر والنـوعي، لما تـم تحقيقـه من منجــزات، في تحسيـن ظروف عيـش جميـع المواطنيــن”.
والسجل الاجتماعـي، الذي سيوضع بتعاون مع هيئــة دولية، والذي ليس مجـرد عمليـة تقنيــة، لــه أهميتـه باعتباره بنيــة أساسيـة لضبط وتحـديد الفـئات المستهــدفة بالدعم الاجتماعـي، الذي يتقـاطع مـع أدوار المؤسسات الاجتماعيـة الأخـرى، الخاصـة منها والعموميــة، على أن هناك متطلبات ما قبــل وما بعـد هـذا السجل، إذ أن الورش الاجتمــاعي هـذا يعني في ما يعنيـــه من:
* إطــلاق ومواكبــة المرحلــة الثالثة من المبــادرة الوطنيـة للتنـمية البشـرية.
* القيـام بمراجـعة شموليــة وعميقة للسياسات الوطنية المتبعة فـي مجال الدعم الاجتماعـي.
* العمل بالمخطط الصحي الهادف إلى تحسين ظروف الاستقبال في المستشفيات وتوفير الأدوية والتجهيــزات الطبيـة، وتصحيح اختلالات برنامج (راميد).
* تقــوية برامج دعـم التمـدرس ومحــاربة الهـدر المـدرسي .
ومن هــذه الأهـداف يتضـح أننا بـصدد ملامســة مشروع اجتماعي حضـاري، لن يكـون من المبالغـة في شـيء، القــول بأنــه يشكل مــدخلا من مداخيل بنــاء عــدالة اجتماعيــة منصفــة وضامنــة للكرامـة، داعــمة للاستقـرار وواقيــة للمجتمـع مـن كل أسبــاب التوتــر والاحتقان، وبديهي أن أي مشروع بـهذه الأهميــة وبهـذه الأبعــاد لابــد له من تـوفير شـروط ومقومات النجـاح والإنجـاز في أحسـن الظـروف، وفي إشارات سريعة نذكـر بعضا منها كالتالي:
* المرافقـة الإعلامية اللازمة لتقــريب المواطنين من المشروع وتوفير المعلــومة.
* جعل الدعم الاجتماعي للمستحقين من الحقوق المشاعة بينهـم، بعيدا عن أية محسوبية أو اعتبارات معينة لاستغلالــه أو توظيفه.
* اعتماد الشفافية وضمان الالتــزام في العــلاقات مـع كل الشركــاء.
* تتبــع ومراقبة الأداء على كل المستويـات، وفي كل مـا يهــم الحكـامة وحمايــة المعنييــن مـن أي تعسـف أو تــلاعب.
بعد كل هـذا، وفي نهاية المطاف، يمكن القول، وبكل تأكيد، أن حظــوظ نجاح بلادنا فـي ربــح رهـان هــذه المهمــة، متوفرة، ليس فقـط لأن المغرب محتاج لتقـــوية بنياته وأوضاعـه الاجتماعية، أو لأن المسألة الاجتمــاعية تعد من ركائز الخيار الديمقراطي، ولكن أيضا لأن هناك مقدمات وتراكمــات توحي بالتفاؤل، ولأن الإصرار والإرادة السياسية متوفران، كما يظهر ذلك فــي كــون قــضايا الشـأن الاجتماعــي لم يسبــق لها أن حظيــت بما تحظــى بـه اليــوم من اهتمام وحضــور في مختلف البرامـج والاستراتيجيــات الوطنيـة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock