
تمخض عن جائحة كورونا خطوة جد مهمة وضرورية أبانت عن حرص جلالة الملك محمد السادس بمدى اهتمامه بالمواطن المغربي، ألا وهي تعميم التغطية الصحية، ويأتي الورش الملكي الذي يعد مشروعا غير مسبوق جاء لتجويد المنظومة الصحية تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، لتحسين القطاع الصحي ولضمان العدالة الإجتماعية بين المواطنين خصوصا على مستوى الولوج إلى العلاجات.
في هذا الحوار سيرصد لنا الطيب حمضي الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحة، ورئيس النقابة الوطنية للطب العام في المغرب، أهم المشاكل التي يعاني منها قطاع الصحة، وكيفية القضاء على الإكراهات التي يعرفها القطاع ذاته.
بداية كيف ترى الورش الملكي المتعلق بإصلاح المنظومة الصحية؟
جاء الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية، ضمن رؤية ملكية متكاملة، بالنسبة للمغرب الجديد كما قال جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد العرش الأخير، حيث أكد على ضرورة توفر المغاربة على حقوقهم وكرامتهم، من خلال تحسين الوضع الاجتماعي والاعتباري للمواطن، ولهذا وجب إصلاح المنظومة الصحية التي تعتبر ركيزة التنمية، مثلما جاء ضمن مضامين النموذج التنموي الجديد، فضلا عن ذلك، فالاستفادة من حق الصحة هو مدخل للاستفادة من جميع الحقوق الأخرى.
كما أكد المشروع الملكي على صحة المواطن المغربي، باعتبارها جزء لا يتجزأ من تعزيز الرأس مال البشري، بعدما أبانت جائحة كورونا الاختلالات التي يعرفها القطاع الصحي، رغم أن جلالة الملك أعطى توجيهاته قبل جائحة كورونا، ليتم القيام بمراجعة جذرية للمنظومة الصحية خلال خطاب العرش الخاص لسنة 2018، غير أن جائحة كورونا أكدت أننا في حاجة إلى هذه المراجعة سواء بالمغرب أو بدول أخرى.
ولهذا قام جلالة الملك بتعميم التغطية الصحية، على جميع المغاربة، للإستفادة من جميع الخدمات الصحية.
إذن ما هي اقتراحاتكم لإعادة تهيئة المنظومة الصحية؟
يجب أولا توفير سياسة إستراتيجية قارة، بمعنى آخر لا يجب وضع كل خمس سنوات خطة جديدة خاصة بالمنظومة الصحية حسب الرؤية الشخصية التي يحددها الوزير المكلف بقطاع الصحة، لأن ذلك يهدر المال العام ولا يساعد في بناء منظومة صحية متكاملة، زيادة على ذلك فأغلب وزراء الصحة يقومون بإصلاحات طفيفة تظهر نتائجها على المدى القريب، لأنها مسألة مرتبطة بالإنتخابات، في حين الإصلاحات العميقة وطويلة الأمد عادة ما تكون مكلفة، ولهذا وجب إحداث مجلس أعلى للصحة، لتحديد أولويات السياسة الصحية إلى غاية 30 سنة المقبلة ليشكل المغرب نظرة إستراتيجية.
وبفضل الإشراف الملكي المباشر على الورش، نتوفر الآن على نظرة إستراتيجية، تضمن استمرارية هذا الورش، وهنا يكمن دور المجلس الأعلى للصحة.
2- يزحف المجتمع المغربي نحو الشيخوخة، بمعنى أن كل مغربي من أصل 10 يبلغ 60 سنة، وسنة 2050 سيكون مغربي من كل 4 يبلغ 60 سنة، ولهذا فالشيخوخة تحتاج لعدة علاجات وتتطلب مصاريف كثيرة.
3- أما بخصوص المصابين بالأمراض المزمنة بالمجتمع المغربي، فكل مغربي من أصل 5 مصاب بمرض مزمن، تتطلب مصاريف وتستنزف الوارد البشرية. ولكي لا نقع في هذا الضغط يجب لاهتمام بالعلاجات الأولية والمتمثلة في “طب الأسرة، الطب العام، طب القرب، اللقاحات، الوقاية…” فعندما يتم إكتشاف أي مرض مبكرا يتم علاجه بسهولة دون أن يصب فيما بعد المرض مزمن، ولهذا وجب بناء منظومة صحية على طب القرب كما ذكرت سلفا.
كيف سيتم القضاء على الإكراهات والتحديات التي تواجه هذا القطاع؟
للقضاء على الإكراهات وربح التحديات يجب تنزيل الورش الملكي في وقت زمني محدد، ولربح التحديات، وجب توعية القطاعات الحكومية وصناديق التأمين ومهنيي قطاع الصحة ونقاباتهم سواء في القطاعين العام والخاص لنجاح هذه التجربة، إلى جانب رصد ميزانية الصحة بالنسبة للميزانية العامة للدولة.
في حين يجب على المواطنين مواكبة هذه التجربة والانخراط بجدية في التغطية الصحية فعندما نقوم بتعميم التغطية الصحية، يجب الالتزام بها لإنجاح هذا الورش الملكي.
كيف ستدبرون الخصاص في الموارد البشرية الذي يعرفه القطاع الصحي والذي ظهر جليا خلال جائحة كورونا؟
الخصاص الذي يعرفه قطاع الصحة في الموارد البشرية مشكل كبير، وتبلغ نسبته 97 ألف مقارنة بالمعايير التي تحددها منظمة الصحة العالمية، منهم أزيد من 32 ألف طبيب والباقي موزعة بين ممرضين وتقنيين وغيرهم، وللأسف هذا الخصاص سيزيد في الأيام المقبلة، في ظل ارتفاع نسبة الشيخوخة وطلب العلاج، علاوة على ذلك سيعرف قطاع الصحة ضغطا كبيرا في حال لم يتم توفير الموارد البشرية.
ولسد هذا الخصاص يجب تكوين عدد كبير من الأطر الصحية، وهذا ما تم تفعيله بجدية في الآونة الأخيرة، إلى جانب مراجعة مدة تكوين الأطباء ليكون مواكبا لسياسة الصحية التي إختارها المغرب، بالإضافة إلى إشراك القطاع الخاص في التكوين.
هل أنتم مع رفع المعيقات التي يفرضها القانون رقم 131.13 على الأطباء الأجانب بالمغرب؟
تم تعويضها السنة الماضية بالقانون الجديد 33.21، وتم تسهيل عمل الأطباء الأجانب بالمغرب إما بشكل دائم أو مؤقت، وذلك بإزاحة كل العراقيل ليمارسوا عملهم بكل أريحية، وينطبق ذلك على الأطباء المغاربة المقيمين بالخارج أيضا، من خلال منحهم التسهيلات القانونية.
في حين نجد أن التسهيلات التي جاء بها قانون 33.21 لن تحل خصاص الموارد البشرية، بل لتشجيع الاستثمارات الأجنبية بالقطاع الصحي بالمغرب، ولتسهيل أيضا الممارسة الطبية الأطباء المغاربة المقيمين بالخارج.
أغلب الأطباء المغاربة يشتكون من الرواتب الهزيلة هل سيتم تسوية وضعيتهم المادية؟
فعلا رواتب الأطباء هزيلة جدا، وفي إطار إصلاح المنظومة الصحية، سيتم تهيئ قانون الوظيفة الصحية، فضلا عن ذلك تمت المصادقة على قانون يخول للأطباء الخاضعين لقانون 1958، الاستفادة من قانون خاص بهم يكنهم من الاستفادة من الزيادة في الراتب حسب ساعات العمل، كلما كانت المردودية أكثر يرتفع راتبه الشهري.
علاوة على ذلك فأطباء القطاع الخاص يعانون أيضا من دخلهم المحدود وعدم توفرهم على التغطية الصحية وغيرها من المشاكل تجعلهم يشدون الرحال بحثا عن ظروف إشتغال أحسن في دول أخرى.
على ذكر هجرة الأطباء كيف ستحاربون هذه الظاهرة؟
يجب التدخل عاجلا لوقف هجرة الأطباء نحو الخارج، فقد أظهرت دراسة أن ثلثي طلبة الطب في السنة الثالثة يفكرون في مغادرة المغرب، والأسباب تكمن في الرواتب الهزيلة وظروف العمل الغير مشجعة إلى جانب نقص الأطر الطبية، كلها أسباب تدفعهم للبحث عن ظروف عمل جيدة في أحضان دول أخرى توفر شروط عمل مريحة
أما بخصوص الأطباء المغاربة القاطنين بالخارج، فعدد كبير منهم لن يعود لأنه أسس حياة أسرية ومسار مهني يفوق العشر سنوات أو أكثر، ولهذا من الصعب جدا عودتهم، لكن هذا لا يعني أننا لن نستفيد من خبراتهم بل يمكنهم ممارسة عملهم مثلا لمدة شهر أو أكثر حسب المدة التي يختارونها.
يمكنهم أيضا أن يشاركوا بمقترحات لإصلاح المنظومة الصحية، لأنهم ينتمون لعدة دول قامت بتجارب عديدة على المستوى الصحي، إلى جانب مساعدتهم في تكوين الأطباء والمهنيين الصحيين، وتوجيه المرضى الذين يلجئون للسياحة الطبية. ولهذا قام مجلس الجالية بالخارج باجتماع مع الأطر الطبية لتدارس هذا الأمر، لكي يستفيد المغرب من هجرتهم.