آخر أخبارحديث الأربعاء

تطاول واستعلاء

إذا كان من الحكمة أن نضع خلافاتنا العربية الإسلامية البينية جانبا في ظرفية تعرض قضية من قضايا الأمة للعدوان الشديد مهما كان نقاشنا حول أساليب تدبير سياستها وحلولها، وأن نتجنب المعاتبات والتراشق بالاتهامات، والانتقادات والتشويش حرصا على وحدة الصف في معركة نصرة قضية قومية شرعية وعادلة توحدنا، مهما كانت الخطايا والأخطاء المرتكبة من قبل جماعات محسوبة على القضية، فإن من الحكمة أيضا، وبالضرورة، أن لا تُستغَل هذه النية الحسنة المتعلقة بترتيب الأولويات في هذه الظرفية بتقديم التعبئة لنصرة ودعم قضية الأمة العادلة، للتأثير سلبا على ملف دعم وحدتنا الترابية الوطنية، والاستثمار في قضية من حجم القضية الفلسطينية بكل تعقيداتها وبكل ما يحف بها من مؤامرات وأجندات ومزايدات ومتاجرات، لتخريب بلدنا وضرب مصالحها وعلاقاتها الدولية باسم وطن وبلد من بلداننا دون وطن أو بلد آخر منها، وباسم أن بقعة من الأرض العربية والإسلامية أطهر وأولى من بقعة أخرى من هذه الأرض.

فباسم القضية الفلسطينية تركنا جانبا الجدل والرد على عدد من المحسوبين على القضية الفلسطينية أو الوطن الفلسطيني الجريح، الذين جردوا ألسنتهم في سياق الحرب على غزة، ليس للدفاع عن الشعب الفلسطيني وتعبئة جهود الدول العربية والإسلامية لنصرتها كل منها من موقعها وإمكاناتها ووزنها وعلاقاتها الدولية، بل لاستهداف عدد من هذه الدول ومن بينها المغرب بأشكال من التطاول والاستفزاز والمزايدة، وتعدى الأمر ذلك إلى استقطاب المتعاطفين من أبناء الشعب المغربي لتحريضهم على دولتهم ووطنهم بدغدغة المشاعر الدينية والقومية ونشر نوع من خطاب تأنيب الضمير الوطني المغربي بالإثارة المغرضة لموضوع العلاقات المغربية الإسرائيلية، والسياسة الخارجية للبلاد، هذا في الوقت الذي يسكت فيه هؤلاء عن تصعيد الهجمات الإرهابية ضد المغرب، وتعريض أمنه وسلامته واستقراره ومصالحه للضرر، بل إن من هؤلاء المحسوبين على فلسطين وعلى الأمة العربية الإسلامية، من استغل أبشع استغلال وبشكل غير أخلاقي ظرفية التعبئة الكبيرة التي انشغل بها المغرب في سياسته الخارجية للإسهام في إيقاف الحرب على غزة ووقف سفك دماء الأبرياء وتحميل إسرائيل مسؤولية جرائم الحرب، من أجل ضرب وحدته الترابية وتصعيد معركته ضد بلادنا، وإفساد مصالحه الحيوية وإيقاف مسيرته التحررية والتنموية، والعالم كله شاهد على الهجومات والهجمات المكثفة والضغوطات القوية التي تعرض لها المغرب في هذه الظرفية الفلسطينية الأليمة من قبل كل من هب ودب من أفراد وجماعات بل ودول تجمعنا معها قرابات دينية أو لغوية، بهدف إسقاطه وتركيعه وهزيمته تحت شعار: أن أقرب طريق إلى تحرير فلسطين تمر عبر تمزيق التراب الوطني المغربي، كما صرح بذلك أحد المحسوبين على قيادات فصيل فلسطيني مسلح استقبلته الميليشيا الانفصالية بتندوف بالترحيب وبوابل من المقذوفات على المدن والقرى المغربية الآمنة وبقتل وإرهاب لمواطنين مغاربة آمنين في ديارهم.

وكما أن هذه الظرفية القومية الأليمة ليست مناسبة للغط والمناطحات، والسجال والجدال العقيمين، فإنها أيضا ليست مناسبة للتحريض والاستقطاب لمشاريع تخريبية للأوطان باسم القضية الفلسطينية، التي اتخذها المغرضون وذووا الأجندات الإرهابية والانفصالية والكراهيات والحسابات السياسوية والحزبوية والطائفية والشخصية الضيقة هدفا لأغراضهم الدنيئة، وفرصة لا تعوض للترويج لأطروحاتهم العدائية وللاصطياد في المياه العكرة.

إن جريمة ما أخطر من جرائم الصهيونية ترتكب في ظلام حالك ضد شعوب يراد زرع الفتنة بينها وتهديم أوطانها وإلحاقها بالمأساة الفلسطينية، لا لشيء إلا لأن لها سيادة ومقدسات

الفتنة بينها وتهديم أوطانها وإلحاقها بالمأساة الفلسطينية، لا لشيء إلا لأن لها سيادة ومقدسات وأوطان تتشبث بها وتسعى إلى أن يلتحق بها الوطن الفلسطيني حرية واستقلالا وسلاما.

لسنا في حاجة إلى هذه الطوائف والزمر وقيادات الحرب والكراهية التي تخرج بين الفينة والحين وحتى في عز الخراب الذي أحدثته في القضية الفلسطينية، لتذكرنا بحق الأمة علينا وتملي على بلدنا ما ينبغي أن تكون عليه سياستها الداخلية والخارجية وتدبير شؤون الحرب في فلسطين، وتطلب من المغاربة قيادة وشعبا تنحية مصالحهم والتزاماتهم واتفاقياتهم بل وقضايا وحدتهم الترابية المستهدفة اليوم بالإرهاب من إخوة لهم في الدم والدين والتاريخ المشترك، من أجل أن تنعم هذه الطوائف والزمر بالفراش الوتير والمال العميم والأكل الدسم في فنادق مصنفة، وآخرون منهم يحمون أرواحهم في خنادق مصفحة، تاركين شعبهم مكشوفا لنيران العدوان الإسرائيلي.

ليس مطلوبا منا أخلاقيا وسياسيا أكثر من حماية بلدنا ووحدتنا الترابية، والتضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته، والدفاع عن شرعية قضيته العادلة في إنشاء دولته ومساعدته على استعادة أراضيه ومقدساته، ما عدا هذا التوجه الشعبي والرسمي المغربي القاضي بجعل القضية الفلسطينية في نفس مرتبة قضية وحدته الترابية، فإن أي خطاب تطاولي واستعلائي واستعراضي من أي كان يتدخل في اختيارات بلادنا في الحرب والسلم، أو يخاطب شعبنا بإملاءات وتوجيهات وأوامر، يعتبر تدخلا خارجيا في شأننا الداخلي وخوضا شنيعا في سيادتنا وفي قرارنا الوطني المستقل الذي لا نحتاج فيه إلى استشارة أغراب وأجانب حتى ولو كانوا محسوبين على الشعب أو على القيادة الفلسطينية.

فشيء من الاحترام الواجب لمغرب النصرة والعزة الذي لم يتخل يوما عن دعمه للقضية الفلسطينية، رغم كل ما تعرض له ويتعرض من ابتزاز وأذى في سبيل هذه القضية التي ضحى ولا يزال بالغالي والنفيس من أجلها. ويكفي ما ضحى به من مصالحه الاستراتيجية الكبرى مع دول وشعوب فقط لأن ثمة قضية فلسطينية تمنع المضي في التعاون والتبادل والشراكة، ما لم تتم تسويتها بحق وعدل.

إن محاولات مد تداعيات الحرب المشتعلة في غزة إلى المنارة المغربية الصامدة في الجناح الغربي للأمة، باستثمار تعاطف الشعب المغربي قاطبة مع الشعب الفلسطيني ومع قضيته العادلة، من أجل تحريف هذا التعاطف في اتجاه إلباس المغاربة عقدة الذنب جراء علاقة دولتهم مع إسرائيل، ومن ثمة تحريضهم على الدولة وعلى الوطن وعلى ثوابته ومقدساته وسيادته للتخلص من هذه العقدة الوهمية، هي عمل منحط ومندس وخسيس وخبيث يعبث بأمن المغرب ويخدم مخططات تمزيقه وتخريبه وهزيمته ونزع شوكته وقوته، في معركة غير أخلاقية يقودها أراذل الناس بمسوح قومية تارة ودينية وإنسانية تارة أخرى.

فإلى هؤلاء الأغراب والأجانب الذين يبتزون التضامن المغربي ويمتصون الدعم والمساعدات والمساندات إلى أبعد الحدود، وإلى حد توجيه إملاءات وأوامر إلى شعبنا وعبره إلى دولتنا بضرورة تطابق سياستنا الخارجية مع وجهات نظرهم البئيسة والعقيمة في تدبير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نقول: لن تكونوا أحرص ولا أغير من المغرب قيادة وشعبا على القضية الفلسطينية ولا على مصالح بلدنا ووطننا، فالزموا فنادقكم وخنادقكم، ودعوكم من تقديم الدروس والمواعظ المغشوشة في الغيرة والشجاعة والشهامة والإخلاص والنبل والجرأة والإقدام والاقتحام والإفحام فإنها قيم مطهرة مسطورة في اللوح المغربي المحفوظ.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock