آخر أخبارمجتمعمستجدات

بوشعيب الباز لـ”رسالة24″: الاستعداد النفسي لا يقل أهمية عن الاستعداد المعرفي للامتحانات

تعد فترة الامتحانات من أكثر المراحل توترا في المسار الدراسي للتلاميذ، حيث تتقاطع الضغوط المعرفية مع تحديات نفسية تؤثر بشكل مباشر على مستوى التحصيل والنجاح. وبينما ينشغل الكثيرون بالمراجعة المكثفة والدروس المتراكمة، يغفل البعض عن بعد بالغ الأهمية في معادلة الاستعداد، وهو الاستعداد النفسي الذي يعد حجر الزاوية في ضمان أداء جيد ومتوازن داخل قاعة الامتحان. في هذا السياق، يقدم المستشار النفسي والتربوي بوشعيب الباز جملة من التوجيهات الدقيقة والنصائح العملية.

قال بوشعيب الباز، المستشار النفسي التربوي، إن الاستعداد للامتحانات ينبغي أن يتم على شقين متكاملين لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر، أولهما الشق المعرفي الذي يقوم على الاطلاع الجيد على كل الدروس المقررة، من خلال دراستها بتركيز وفهم عميق، وثانيهما الشق النفسي الذي يمثل دعامة جوهرية ومحفزا قويا لأداء التلميذ خلال لحظة الامتحان. فحتى إن كان التلميذ متمكنا معرفيا، فإن أي خلل أو اضطراب نفسي قد يضعف من قدرته على استرجاع المعلومات والتفاعل معها، مما قد يؤدي إلى نتائج غير مرضية رغم الجهد المبذول. من هذا المنطلق يعد الاستعداد النفسي ضرورة حيوية لا تقل عن المراجعة الدراسية، بل إنها تحدد بدرجة كبيرة مدى فعالية هذا المجهود المعرفي.

وأوضح الباز أن الاستعداد النفسي يبدأ من مراجعة التلميذ لذاته في نهاية كل يوم دراسي، من خلال طرح أسئلة بسيطة لكنها جوهرية، من قبيل: “ماذا فهمت اليوم؟”، أو “ما مدى قدرتي على الإجابة عن أسئلة هذا الدرس بسلاسة؟”. هذه المراجعة الذاتية تمثل مؤشرا مبكرا على مستوى الاستيعاب، كما تسهم في تعزيز الثقة بالنفس وتحديد مواضع الخلل التي تحتاج إلى تركيز إضافي.

ويرى الباز أن المشاعر التي تنتاب التلميذ تجاه مادة معينة تشكل هي الأخرى مقياسا مهما لجاهزيته فإذا أحس براحة نفسية وهدوء عند التفكير في مادة ما، فهذا دليل على استعداد جيد، أما إذا شعر بالقلق أو الضيق أو حاول تجنب التفكير في مادة بعينها، فهذا يشير إلى أن هناك خللا في الفهم أو نقصا في الاستعداد، ويجب حينها الرجوع إلى تلك المادة والاشتغال عليها مجددا.

وأضاف أن من أبرز العوائق التي تحول دون هذا التوازن النفسي، عجز بعض التلاميذ عن الاعتراف بعدم فهمهم لبعض الدروس أو التمارين، ما يدفعهم إلى تجاهلها بدل مواجهتها. وهنا تكمن الخطورة لأن تراكم الصعوبات يولد إحساسا بالعجز، ويضعف من الحافز الذاتي تدريجيا، رغم أن الحل أحيانا يكون في غاية البساطة وهو تخصيص وقت إضافي لتلك النقاط الغامضة دون تهويل أو ضغط.

ونبه الباز إلى مجموعة من السلوكات الخاطئة التي يقع فيها التلاميذ خلال فترة التحضير، ومنها السهر لساعات متأخرة ثم الاستيقاظ مبكرا، وهو ما يرهق الجهاز العصبي ويقلل من القدرة على التركيز والانتباه. كما أشار إلى خطأ شائع آخر يتمثل في تراكم الدروس بسبب الإهمال أو سوء تنظيم الوقت، ما يجعل فترة ما قبل الامتحان مرهقة نفسيا رغم الجهود الكبيرة التي قد يبذلها بعض التلاميذ لتعويض ما فاتهم، دون أن ينجحوا في استرجاع المعلومات بفعالية.

ولتجاوز هذه المشكلات، شدد الباز على أهمية وضع برنامج منظم يبدأ أولا بحصر المواد التي سيمتحن فيها التلميذ، ثم كتابة جميع الدروس المرتبطة بها على ورقة وتصنيفها بحسب درجة الإلمام بها. بعد ذلك، تتم عملية التشطيب على الدروس المفهومة مسبقا، ثم توزيع الباقي على جدول زمني يومي يمتد من الساعة الثامنة صباحا إلى الثانية عشرة زوالا، مع فترة راحة إلى غاية الثانية زوالا، ثم استئناف المراجعة من الثالثة إلى السادسة مساء. وأوصى الباز بأخذ استراحة قصيرة كل ثلاث ساعات من المراجعة مدتها نصف ساعة للسماح للعقل باستعادة تركيزه وهو ما يعطي نتائج أفضل من المراجعة المتواصلة دون توقف.

وأكد الباز أن التدرج في فهم واستيعاب الدروس أمر ضروري، خاصة عندما يتعلق الأمر بدرس جديد أو معقد، إذ لا ينبغي محاولة حفظه مباشرة دون فهم، بل في حالة تعذر استيعابه من الأفضل تركه لبعض الوقت ساعة أو حتى يوم، ثم العودة إليه لاحقا، لأن الجهاز العصبي والعقلي للإنسان يتوفر على منظومة لا إرادية تعمل بشكل تلقائي على معالجة المعلومات بشكل تدريجي في الخلفية وهذا ما وصفه الباز بالمنظومة الفكرية والعصبية المصحوبة برقابة عاطفية داخلية. وأوضح أن هذه النعمة الإلهية تتيح للتلميذ فهم أشياء معقدة بمجرد ترك المجال للعقل ليشتغل دون ضغط وهي آلية لا يدرك أهميتها كثير من التلاميذ الذين يجهدون أنفسهم دون مردود إيجابي.

وتحدث الباز في ختام حديثه عن دور الأسرة، الذي اعتبره محوريا في دعم التلميذ نفسيا خلال هذه المرحلة، موضحا أن توفير جو مناسب داخل البيت، من حيث الهدوء والدعم العاطفي يساهم في خلق بيئة مشجعة على المراجعة. أما في حالة وجود صعوبات تتعلق بضيق السكن أو عدم توفر مكان هادئ، فينصح بأن يخرج التلميذ إلى أماكن أكثر ملاءمة، مثل مقهى هادئ أو مكتبة أو حتى بيت أحد الأصدقاء إذا كان الجو مناسبا. كما أشار إلى أن المواد العلمية يمكن مراجعتها في هذه الفضاءات، بينما المواد الأدبية والحفظية يستحسن الأشتغال عليها خلال النهار في أماكن عامة هادئة كحديقة أو بجانب المسجد.

ولم يغفل الباز التأكيد على أن الدعم النفسي للأسرة لا يقل أهمية عن الجانب المادي أو المكاني، إذ يجب أن يشعر التلميذ بالدعم والتحفيز، بعيدا عن المقارنات أو الضغط أو التهديد، بل من خلال كلمات إيجابية تمنحه الثقة بنفسه وتزرع فيه الطمأنينة. فبعض التلاميذ يحققون النجاح رغم غياب الدعم الأسري، بفضل إرادة داخلية قوية واستعداد نفسي متين، في حين يفشل آخرون رغم توافر كل الظروف، مما يدل على أن العنصر النفسي يبقى هو الحاسم في كثير من الأحيان.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock