رأيمستجدات

بعيدا عـن “نظرية” الأزمة والتأزيــم.. مصلحة الوطن والمواطن أولا

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس

خــلال الاجتماع الأسبـوعي الأخير للمجلس الحكــومي، الذي صادف بـداية الدخول المدرسي الجديد، وقف رئيس الحكــومة عنــد المسألة التعليميــة التي تشكـل مفتاح كــل تنميــة وتقــدم، مـؤكـدا أن حكــومتـه ستقــوم “بإجراءات طيلــة السنة المقبلــة بعـد التفكير والتشــاور لإعطاء دفعـة قــويـة لإصلاح التعليــم والرفــع مـن جـــودتـــه”.
وبموازاة مـع الاجتماع الحكــومي المشار إليــه، تميــزت نهــاية الأسبــوع الماضي، بإعلان أحزاب الأغلبية عـن مصادقتــها على حصيلــة العمــل الحكـومي، خــلال الفتــرة الأخيـــرة، وهي الحصيلــة الأوليـة المنتظــر أن تعــرض على الرأي العـام في بحــر هـذا الأسبــوع، حسب تصريحــات صــادرة عن أوسـاط قياديـــة في الأغلبيـــة.
ولاشـك أن مـــوضوعي “التعليـم والحصيلة” كـافيان معــا لتبيــان حجــم النقــاش والجـدل السياسي الممكــن أن تشهدهما الساحـة الوطنية والإعـلامية خــلال الأيام والأسابيع التي تستقبــل الدخــول السياسي والاجتماعي…
فمناسبـة “الدخــول” أضحت بمـثابة محـطة أو مــوعد دوري للحرص على تنزيل الاختيارات والتوجهات في أفق تقييم الحصيلة في الوقت المناسب، و”مراقبــة” تــدبير الشـأن العــام وطابعه فــي مختلف القطاعـات، والتعبيــر عـن الحاجيــات والتطلعــات.
فالوصول إلى تــرسيخ تقليـــد كــهذا، والعمــل بـه فــي إطــار مـن الحـريـة والجــديـة والمسؤوليـــة، يعـــد مـن عنـــاوين نضــج السلـــوك السيـاسي وتطـــور الممارســة الديمقراطيــة.
كما أن الاهتمــام بتتبـــع الوضـع العام للبــلاد والانخــراط فيــه يعتبـــر من قــواعد الديمقراطيــة التشــاركيـــة التي تجعــل مــن المواطــن حجـــر الزاويـــة في العمــل التنمــوي والنهـــوض الاقتصــادي والاجتمــاعي.
ومـع تسجيل ما لمثــل هـذا النقــاش مــن أهميــة، وفي ما يخــص تقييـــم الرصيد أو الحصيلـة، فمــن الواضــح أنـه لا يمكــن تجــاهل مجمــوعة من الثغــرات والصعاب التي ميـــزت الوضـع العــام منــذ التشريعيــات الأخيــرة، وما رافــق ذلـك مــن “مناوشــات” ومحــاولات المــس بأمن البــلاد واستقـــرارها.
ومـن حسـن الحــظ أن تــدخلات جــلالة الملــك كــانت حــاسمة فــي إعـــادة الأمور إلى جــادة الصواب، وإفهــام كــل الجهــات المتربصة بالمغرب وباستقــراره وثـــوابته الوطنيــة، أن لا مجـال ولا حــظ لأي مناورة تستهــدف بلادنا في خياره الديمقــراطي ونموذجــه السيــاسي أو فـــي سيـــادته ووحــدته الترابيـــة.
وبقيــادة جلالتـه التقت الإرادات الخيــرة والمخلصــة للمصالح العليـا للوطن، وفــي زمــن قصيــر لاحت تبـاشير وإمكــانيات تجــاوز كـل التعثرات والاختــلالات، وخــلق أجــواء الثقــة بين الفرقــاء السياسييــن.
فبالاسترشــاد العمــلي بالقــرارات والتوجهات الملكيــة النيــرة، بـــدأت الجهود والمبــادرات الـوطنيــة تعــطي ثــمارها ونتـــائجها المرجـــوة في العــديد مــن القطاعــات، وكان مــن بيــن ما سجــل فــي هــذا السياق على مستوى الأنشطــة الاقتصادية والماليــة:
* تعزيز جاذبيــة النموذج الاقتصادي المغــربي من خــلال تـدفقات الاستثمارات الأجنبيــة المباشــرة بالمغرب، التي ارتفعــت بنسبة أزيـد من 20 بالمائـــة خــلال الأشهــر الستة الأولى مــن السنة الجاريــة.
* احتلال المغرب الصدارة في ترتيب الدول الإفريقيــة من حيث عــدد السياح، متقــدما على مصر “الثانية” وجنوب إفريقيا “الثالثة” وتونــس الصف “الرابع”، وذلك حسب تقرير لمنظمـة الأمم المتحــدة للتنميـة “أونكــتاد”.
* ارتفــاع حـركة النقــل الجـوي بمختلف مطارات المغرب بنسبة 11،7 بالمائـة، خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجاريــة.
* تـراجع فــي نسبــة عجــز ميزانية الدولــة، من 24 مليار درهم إلى 17 مليار درهم نهاية شهــر يوليوز الماضــي .
* تواصل ارتفــاع تسـويق السيارات المصنوعة في طنجــة والدار البيـضاء، كما يؤكد تقرير أمريــكي للدراسات.
من جهــة ثانيــة، وبالإضافة إلى الخطوات العمليــة والإصلاحيــة التي تمت في بعض القطـاعات الحيــوية، كالتعليــم وإصـلاح وتحــديث الإدارة وتحفيـــز الاستثمــار، فعلى مستــوى منهجــية العمـل وتحـديد وترتيــب الأسبقيــات، وعلى ضـــوء مضاميــن وتوجيهات خــطاب العــرش، تـم اعتمــاد مجموعة مــن التدابيــر الاستعجاليــة تتــركز بالخصوص على تسـريع وتيـرة إنجــاز مجموعة مــن الأوراش، وإصلاح شامل وتحــديث كلـي لعمل المـراكز الجهــوية للاستثمــار والحـرص على خــدمة المواطن والإنصات وتلقي مشــاكله وهمــومه، وتحسيــن شروط التنميــة البشـريـة، وغيرها من التدابير الاستعجالية.
هـذه المنهجيـة تعتــمـد كـذلك الأخــذ بتفعيـــل سياســـة القــرب واللاتمـركـز على كــل المستــويات، بما فــي ذلـك تنقــل المسؤولين الحكوميين إلى الأقاليم والجهـــات لمواكبــة وتتبـــع إنجـاز المشــاريع المقــررة والاطــلاع عن قـــرب على القضــايــا والإشكالات التي قــد تطــرح فـــي هــذه الجهــة أو تــلك.
وبالطبــع، فإن كل الخطـوات المشار إليها تتكـــامل وتتعــزز بالانتصارات والمكـــاسب السياسيـــة الهامــة التي حققــها ويحـققــها المغــرب على واجهـــة البنـــاء المؤسساتـــي، وفي الحقـــل الدبلوماسي وتحصيــن حقــوقه وتقــوية مواقعه وإشعاعـــه عـلى الساحتين القـــارية والدولية.
فبعد هــذه اللمحــات المختــزلة، لابــد أن تتطرق النقاشات والقــراءات النقــدية، التي تــرافق “موسم الدخــول”، أيضا إلى ملفــات وانتــظارات أخــرى، ربــما يتــم تلخيصهـا فـي هذا الســؤال: ومــاذا عـن المستقبل المنظـــور؟.
وانطــلاقا مـن نفس المقاربــة الموضوعيــة، لابــد مــن التأكيــد على أن التقــدم نحــو المستقبــل يحتــم المــزيد مــن الجهــد والتعبئــة الفعليـــة، لكل الوسائل والإمكانيــات، التي وحـدها تجـعـل العمــل المطـــلوب يكــون في مستـــوى الرهانات والانتــظارات، كما أنه مـن المطلوب أيضا، وبإلحاح كبيـر من أطراف العمليـة السياسيـة وفـــرقاء المشهــد السياســي المعنيــون، الالتــزام بما يعيــد لهـذا الحقـل مصداقيته وجــديته، وبما يحفــز المواطنيـن، في البوادي والحواضر، على الاهتمــام بالشأن العام والاضطلاع بأدوارهم الملموسة في بناء حيـاة سياسيـة ســوية متخلقة ومنضبطة.
والأكيــد أن المغــرب لا تعوزه الإمكانيـات والوسائل ولا الشجاعـة والإرادة السياسيــة لاقتحــام أفــق المستقبل بكــل عــزم وإصرار وثقـــة. ففــي خطب جـلالة الملك وقــراراتـه التوجيـــهية ما يكفـي للتيقــن من هــذه الإمكــانيات ومن النجــاح في بلـــوغ الأهــداف المرســومـة.
وهــذا ما يجب أن يتبلــور كـذلك مــن خـلال الخطــوات والتدابير العمليــة المنتظــرة بعد الدخــول السياسـي والاجتمــاعي، وبكيفيــة مــدققــة في قــانون الماليــة للسنـة المقبلــة، الذي تفيــد التصريحـات الرسميــة، وكــذا منشور رئيس الحكــومة الموجــه للوزراء، بأنــه يرصد 190 مليار درهم للاستثمارات العمــومية، وبأنـــه يركــز على أربع أولويــات، هــي دعــم القطاعات الاجتمــاعية “التعليم والصحــة والتشغيل وتقليص الفوارق المجــالية”، تطوير التصنيــع وتحفيــز الاستثمـار الخاص ودعم المقاولات الصغـرى والمتوســطة، تــرسيخ الجهــوية المتقــدمة، إصــلاح الإدارة وتحسيــن الحكــامة وتســريع تنزيــل الإصلاحــات.
وإلى جــانب مختلف المــؤشرات، التي تــدعم حـظوظ النجـاح فــي الإنجــاز، يظل تقــدم بــلادنا وترسيـخ وتوسيــع مكتسباتـها يستـوجب الحـرص على تحــريك آلـيـة المراقبــة والتتبـــع المستمــرين، بما يضمــن الأداء الجيـــد والحكــامـة الرشيــدة لكــل المرافــق والقطـاعات. ولابـد أيـضا من التنبيــه إلى أن الاهتمــام بالقــضايا ذات الطـابع الاجتــماعـي، يقتضــي حضـور اليقــظة والنظــرة الشمـولية كلمــا تعلــق الأمر بقــرارات تهــم هـذا المجــال، كما يحتــم هـذا الاهتمــام إعــطاء أهميــة خاصــة لظروف عيــش المواطنيــن، وتقــوية آليـات التضـامن الاجتماعــي، واعتمــاد خطط واضحـة ومتكـــاملة للإدماج الاجتــماعي والتقلــيص مــن الفــوارق بيـن العالميــن القـــروي والحضــري.
فهــذا التوازن والانسجــام على المستـوى القــطاعي والاجتــماعي والمجــالي، هــو الذي يمنـح لعمــليات التنميــة الشاملـــة متانتــها ومضمــونها الملمــوس، الذي لا يــقف فقــط عنــد المردوديــة المباشــرة، ولكنــه يتجــاوز ذلــك بوقعــه الإيجــابي وبآثــاره الحميـــدة على كافـــة مناحــي الحيــاة الوطنيـــة ومـناخـــها السيــاسي.
ومن نافـلة القــول، إن كــل نقـــاش أو حوار حــول أولويات وانتــظارات المستقبل المنظور، لا يمكـن إلا أن تـــكون لــه فـــوائده ومساهماتـه، وخصــوصا إذا ابتعــد عــن منهجـــية وسلوكـــات المـزايــدة، وعــن “نظـــريات” افتعال الأزمة والتأزيــــم.
فمصلحــة الوطن والمــواطن أولا، وهذه المصلحة لا تحتمــل “المناوشات” الملغــــومة والحســابات السياسوية الضيقة.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock