رأيمستجدات

الزيارة الملكية.. وفاء المغرب بالتزاماته العربية

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس

بالرغــم مــن أن الزيارة الملكية لدول منطقة الخليج، تندرج في سياق العلاقات الطبيعية التي تربط المغرب بهذه البلدان، فإنها لم تخل من بعض التساؤلات، وذلك لتزامنها مــع التطورات التي تعــرفها أجــواء مـــنطقة الخــليج، مما جعل وسائل الإعلام تحاول أن تربط بينها وبين ما يجري في هذه المنطقة والوضع العربي بشكل عام، والدور الذي يمكن أن يلعبه جلالة الملك في بعث روح الالتئام والأخوة بين هذه الأقطار.
وإذا كانت هذه الزيارة قد أثارت بعض الاستغراب، فإن الدوائر المطلعــة على ثـــوابت السياســة الخارجيــة للمغــرب لم تجـــد أيــة غـــرابة لا فــي توقيت الزيــارة ولا في مــوضوعــها، ويمكن ملامسـة ذلك مــن خلال بـــلاغ الديــوان الملكي الذي كان واضحا فـــي الجمــع بيــن وجهتـــي الزيارتين، أي الإمارات العربية المتحــدة ودولـــة قطر.
فالسياسة الخارجية للمغرب وإستراتيجيتــها لهـــا منطقـــها المتجانس والمتكـــامل الذي يتعـــامل مــع الأحـــداث بالنظـــرة الشموليـــة وبـمـواكبـــة الأحــداث والتطــورات بنفــس الوتيــرة المتســارعـة وما تقتضيــه مــن يقظــة وجـــاهزيـــة.
وسواء بالنسبــة للإمارات العربية المتحــدة أو لدولــة قطــر، أو غيرهما مــن دول المنطقــة، فقــد استقبــل جــلالة الملــك محمـد السادس دائمـــا كضيف فـــوق العادة، وقيمــة زيارتـــه ولقاءاتــــه مـع قـــادة هــذه الدول لا يمـــكن أن تقــــاس بالطقــوس “البروتكــوليــة”، أو بحجـــم المتابعــة والتغطيـــة الإعلامية، خــاصة وأن لكــل موضوع ومستـــجد طبيعتـــه الخاصـــة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقــات التي تجمــع المغرب بـــدول الخليـــج تعـــد علاقات متميزة، ويكفــي التذكيــر ببعــض الفقـــرات من الخــطاب الملكــي أمام القمــة المغربيــة ـ الخليجــية، المنعقــدة بالريــاض، شهــر أبريل من السنــة الفارطة، حيث قال جلالتـــه، مخاطبا قــادة الدول المشاركــة في القمــة: “لقـد تمكنا مـن وضع الأســس المتينــة لشراكــة إستراتيجية، هــي نتــاج مسـار مثمــر مــن التعاون، على المستــوى الثنائـــي، بفضــل إرادتنا المشتــركـة، فالشراكة المغربيــة الخليجيــة ليست وليــدة مصالـح ظرفيـة، أو حســابات عابـــرة، وإنمــا تستمــد قـــوتها مــن الإيمــان الصادق بــوحدة المصيــر، ومن تطــابق وجــهات النظـر، بخــصوص قـضايانا المشتـركـة”.
اقتصاديا، فإن هــذه الشراكــة الإيجابيـــة تجــد ترجمتها الفعليـــة فـــي ثمــار وحصيلــة التعــاون الثنــائي والجمــاعي في العـديد مــن القطاعات والمجــالات الاقتصــاديــة والتجاريــة والتنمـــوية التي شهــدت وتشهــد نمــوا متـــزايـدا، يحــرص المغــرب على جعلـــها نمـــوذجا للتعـــاون انطلاقا من خيــار التعـــاون “جنوب ـ جنوب” في القــارة الإفريقيـــة.
وسياسيــا يتجــلى ثقــل وعمــق هــذا التعاون في ما تحفــل بــه جسور التواصل والتشاور مــن حركيــة واسعة ومستمــرة بشأن القــضايا والمواقف السياسيــة، وفي العمــل المشترك والتضامــن، وفي المــجال الأمني ومواجـــهة مخاطر العنف والتطرف وتهـــديد أمن الدول وسيادتها ووحــدتها الترابية.
ولا شــك أن هــذه الإرادة وهـذا التوجــه كانا حــاضرين في لحــظات اللقــاء الذي جمــع بيــن العاهـل المغــربي والشيخ محمـد بن زايد آل نهيان، حيث تـم استعراض العلاقات المتميزة والشراكة الإستراتيجية القويــة المتعــددة الأبعاد القائمة بين البلدين، كما همـت المباحثات بيــن الطرفين ــ حســب ما أعلــن عنــه ــ عــدة قـضايا ذات الطابــع الإقليمــي والدولـي، حيث تجسدت هذه الإرادة وهذا التوجه في الأجواء التي سادت الزيارتين، وفي حفل الاستقبال الرسمي الذي أقامه صاحب السمـو الشيـخ تميــم بــن حـمد آل ثــاني، أميــر دولــة قطـــر، يوم الأحــد الماضي، على شــرف صاحـب الجلالــة الملــك محمد السادس، الذي كــان مرفـــوقا في زيــارته الرسمية لهــذا البلــد بصاحب السمو الأمير مـولاي إسماعيل بالإضافة إلى عدد من مستشاري جلالته، ووزير الخارجية والتعاون الدولي والمدير العام للدراسات والمستندات.
وعلى خلفيــة كــل هــذه العناصــر يتبيــن كــذلك أن الزيـــارة الملكيـــة هــي تعبيـــر صادق مــن بلـــد شقيــق وصـــديق، ومــن قــائد كبيـــر، عــن حـــرصه الشديد، وفي كــل الأحـــوال، على استمــراريــة أجـــواء رسالة الآمال والتـــلاحــم ونبـــذ التفــرقة بيــن الأشقـــاء مــن أجــل توفيـــر كل الحظـــوظ والشروط الـــلازمــة للانــدماج العـــربي الجهــــوي.
فالجهود المغربيــة، وبكــل تأكيــد، تتجـــاوز النــطاق أو المحـور الجهــوي، لتمتـــد نحــو الساحة العربيـــة برمتهـــا، فهــذه الساحــة ومــع كــل ما يميــزها مــن مشاكل وتطاحــنات وتمــزقات منذ مدة، هــي اليوم، فــي أمس الحاجـــة إلى بعث الوعي من جديد لإدراك حجـــم وثقل المشـــاكل التي تواجــهها والمخــاطر المحــدقــة بـها، وهو ما أشار إليه جلالة الملك في القمة المغربية ــ الخليجية، حين نبــه إلى أن “هـناك تحـالفات جــديدة، قــد تـؤدي إلى التفــرقة ـ مما يتطلب معه إعادة ترتيب الأوراق فــي المنطقــة ــ وهي فــي الحقيقــة ــ محـــاولات لإشعال الفتنــة، وخلــق فــوضى جــديدة لن تستثنـــي أي بلـــد” وأن “المخططــات العــدوانيـة، التي تستهـــدف المس باستقــرارنا، متواصلة ولن تتـــوقف. فبعـــد تمـزيق وتــدمير عـدد من دول المشرق العــربي، هاهي اليــوم تستهــدف غـربه وآخــرها المناورات التي تحـــاك ضـد الوحــدة الترابية لبلدكــم الثانــي المغرب”.
وإزاء الوضع العربي المؤلم هــذا، يجـــدد المغرب مقــاربتــه وتصوره المستوعب لحقائق ومعطيـــات الوضــع الإقليمي بكل تنــاقضاتــه المعقـــدة وتجلياته المتعـــددة، وفي نفــس الآن، ومجــددا، تتــوضح صورة المغـــرب ودوره، في المجال الإقليمــي، كفــــاعل وكـطرف لــه وزنــه الحاسم، على الأقل، مــن خلال تصوراته العقلانيــــة والواقعيـــة، ومن خــلال مواقفــه المبـــدئية وتجــربتــه المتميـــزة التي يضعهـــا رهــن إشارة الأشقاء لإعمال فـــرص البنـــاء والتنميـــة، وتجــاوز الأزمــات الظرفيــــة.
وعلى مستوى مستجــدات المنطقـة العربيــة عامــة، بارتبــاط مع تطورات الوضــع الداخلي فـي لبنــان وفـــي اليمـــن، وإن كــانت المملكــة العربيـــة السعــودية قــد دعـــت إلى اجتمـــاع طارئ “مــرتقب انعقـــاده يــوم الأحد المقبل” لوزراء الخارجيــة العــرب لبحــث التدخــلات الإيرانية في المنطقـــة، فـفــي ذلـــك إشـــارة قــــوية لـــدقــة الأوضاع الأمنيــــة بالمنطقــة.
ولا شــك أن هــذه الأحداث، وغيــرها، تذكـــر بالتحليـــل الذي جاء في الخــطاب الملكــي إلـى القمــة العربية بالكـــويت، منــذ ثـــلاث سنــــوات، والذي يصف الأوضاع العربيـــة بأنهـــا تمـــر “بمرحلــة دقيقـــة، تتســم بتــزايد التــوترات السياسيــة، وتفاقـــم الأوضــاع الاقتصاديــة والاجتماعيـــة مــع تنامــي النعــرات الطائــفيـة، ونــزوعات التطــرف والإرهاب” ومما ســـاهم فــي طغيان هـــذه النزوعـــات هــو: “الابتعـــاد عن روح الحــوار والتوافــق، وتغليب الأغــراض الفئـــوية الضيقــة عـلى المصالح الـــوطنيــة العليــا، وتنامــي النــزوعــات المذهبيـــة”.
ومن المؤسف، أن الوضــع الدولــي، من جهة ثانية، يتســم هو الآخــر بالكثير مــن التوترات والصراعات الخفيــة، وببـــروز تطورات وظــواهر جـديدة تهـــدد بخلـــق الفتــنة، وإشعال الحــروب بالوكــالة، ونشــر الإيديولوجيـــات العنصريـة والحــقد والكراهيـــة، والمــس بسيـــادة الدول وأمنــها ووحــدتها الوطنيـــة والترابيـــة، وهو واقـــع يــدعو الدول العربية والإقليمية والمجتمع الدولــي بصفة عامة إلى العمــل والتحــرك الجــدي والعملي مــن أجــل مــواجهة هــذه المــظاهر السلبية والخطيــرة التي تتناقض كـــل التناقــض مع حضارة العصــر ومع حقـــوق سيادة الدول وقيــــم الحريــة والديمقراطيـــة.
وإن الأسرة العربيــة، مغــربا ومشــرقا، مــدعوة، ربما أكثر مــن غيــرها، إلى العمل وتنسيــق الجهــود من أجل تطــويق المنزلقات الحاصلة منذ ما سمي بـ “الربيع العربي”، ومن أجل حمايـــة أمنــها القومي والجمـــاعي واستقرارها الاجتماعي وسيادتها الوطنية.
وفــي هـــذا الاتجـــاه، كانت للمغرب توجهاتــه واختياراتــه الثابتة والواضحــة التي تركز على الصراحة والجــدية في العمل العربي المشتــرك، وفــي التصــدي للتحــديات القائمــة، وتغليب روح الحوار والتفاهم على لغـــة العنــف والصراعات.
وما الزيارة الملكيـــة لمنطقــة الخليــج، في هــذا الوقت بالذات، إلا عربون جــديد على حــرص المغرب عـلى توطيـــد علاقاته الإستراتيجيـة مـع الأشقاء، وعـلى جعـــل هــذه العلاقات دعـامة أساسيـة لتمكيـن العالم العربي من تجاوز الأوضاع الحالية…
إن الزيارة الملكيــة الحالية للمنطقة هي تعبيــر عن وفـــاء المغرب بالتزاماتــه العربية والدوليــة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock