رأيمستجدات

الحقــيقـة والمشـروعية والإنصاف

إن المخططات العدوانية، التي تستهدف المس باستقرارنا، متواصلة و لن تتوقف. فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي، ها هي اليوم تستهدف غربه. وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية لبلدكم الثاني المغرب.
وهذا ليس جديدا. فخصوم المغرب يستعملون كل الوسائل، المباشرة وغير المباشرة في مناوراتهم المكشوفة .”


من الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمام القمة المغربية الخليجية بالرياض يوم 20 أبريل 2016

 

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس

الرسالــة الواضحـة المفروض أن يفهمهــا الجميــع مـن قــرار الربــاط قطـع علاقاتها الدبلوماسيــة مـع دولــة إيران، هــي أن المغرب إذ يضــع قضيــة وحــدته الترابيــة فـي مقــدمة قضاياه الوطنيــة الكبرى، فهو لـن، ولا يمكن في أي حال أو ظــرف، أن يتساهــل أو يتسامـح مــع أيــة جهـة حــاولت أو تحــاول أن تتـآمر ضــد هذه القضيــة أو التشجيــع على ذلــك.

قــد يـدعي البعض أن القرار المغربي لم يكن مبــررا مـا دام الأمــر يتعلــق بـ (حزب الله اللبنـــاني)، كما زعموا أنه لا يصــح اعتبار هـذا الأخير تنظيما إرهابيــا لأنــه يعــد حــركة (مــقاومـة)، وهــذا بالذات ما تقــوله الجــزائر التي لا تكتفــي بالترويج لـ (براءة) الــدولة الإيرانيــة و(حزب الله)، وإنما تــدعي أيضا بأن هناك (حملة مغربية) تستهــدفها، وأنها قــد تتخــذ مجموعـة من الإجراءات في مواجهة المغرب، قــد يكون من بينها تقليص عدد من الدبلوماسيين المغاربــة وإغلاق قنصليــات مغربيــة، إلخ..

وإزاء مثل هــذه المغالطات والتحريفــات، فبداية الموضوع تكــون من إيراد بعــض التوضيحات اللازمـة بشأن هــذا الكائن المسمى بـ(حزب اللــه)، الذي ربما قــد لا يختلف في طبيعــة مهامه عن جماعــة البوليساريو الانفصاليــة، التي جاء ليعضدهــا ويدعمها تسليحــا وتدريبا وتأطيــرا.

فإن كان عنوان هــذا التنظيــم يوجد ببيـروت، فإن المركز الضابط لمهامه وأدواره يــوجد بالعاصمة الإيرانيـة وفي دهاليــز أجهزة (الحرس الثوري) الإيراني، وغير خاف أن جمعـــه التأسيسي انعقــد بطهران، كما يقر بذلك علنا بعض من تكلفوا بقيادته، بعد سنة 1982، وخاصة قيادييه محمد حسين فضل الله وصبحي الطفيلي.

وكان ذلك في السيـاق المحموم بما عرف بـ (تصدير الثورة)، وهو الشعار أو الهــدف الذي تـم تبنيه بعـد انتصار ما سمي بـ (الثورة الخمينية)، وبحكم أن لبنان في ذلك الإبان كان يصنف كواحة للحرية في المنطقـة فذلك هو ما شجع الأجهزة الإيرانية على التغلغل فيه باعتباره المجال الأرحب لتمددها في المنطقة العربية، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم فإن (حزب الله)، في لبنان وليس اللبناني، هو امتـداد لسياسة وأهـداف إيران في المنطقــة، بل إنه الأداة التي بواسطتها تمارس طهران ضغوطها ومقايضاتها السياسيـة، وحتى الأمنيـة، في ترتيب أوراق وتوازنات بعض ملفات المنطقــة.

ومع أنه يشكل (دولة) داخل الدولة في لبــنان، فإن (حزب الله)، الذي تنعته الجزائر بـ (المقاوم) لا يخفي ولاءه وتبعيته لإيران، ولا ينكـر أن الأمــوال التي قدمها لسكان الجنوب كـتعويض عن خسائرهم، بعد مغامرة حزب نصر الله في (حرب يوليوز سنة 2006)، جاءت مـن طهـران، كما أن كل متتبع يعرف بأن (الحرس الثوري) الإيراني هو الجهة التي تشرف مباشرة على تمويل وتسليح وتأطير هـذا التنظيـم الذي وضعته العديد من الدول، ومنها أغلبية الدول العربية، على قائمة التنظيمات الإرهابية، ولعل آخر مثال فاضح عـن تبعية (حزب الله) لإيران هو استعماله، من لدن هذه الأخيرة، كذراع لتدخلها في ســوريا وفي اقتتال أطراف من الشعب السوري.

وخارج منطقة المشرق، وإن كانت التقارير الإعلامية في السنوات الماضية تفيد بأن إفريقيا ليست أولوية في أجنـدة توسع النفوذ الإيراني، فإن الأمر لم يكن كذلك، خاصة وأن طهران لا تنظر بعين الارتياح لتزايد الحضور المغربي الفاعل في القارة السمراء، بدعوى مجابهة ما سموه بـ”المد السني” وغير ما مرة تحدثت وسائل الإعــلام عـن تحركات إيرانيــة للتأثير داخل المجتمع المغربي بدوافع الترويج ونشر التشيع، بل إن بعض التقارير الإعــلامية تشير إلى أن المغرب يوجد في مقــدمة البلدان العربية والإفريقيـة المستهدفــة بالتحركات الإيرانيـة.

هكـذا يتضح بأن المغرب كان محــقا في التوجــه نحـو إيران بقــراره قطـع العلاقات الدبلوماسية معها في مثـل هـذه الحالـة يعتبر قرارا سياديــا، بالنظر إلى الأفعال المرتكبة والمرامي الخطيــرة التي تتحمــل إيران مسؤوليتهــا، مادام (حزب الله) مجــرد أحد التنظيمات أو المليشيات التابعة وأداة تتحكم فيها، مثل (منظمة بدر)، و(لواء أبو الفضل العباس) و(عصائب أهل الحق) وغيرها من المجموعات التي تتولى العمليات الإيرانية القذرة بالخــارج.

وحسب التصريحات الرسمية، فإن السلطــات المغربية أعلنت فــي أكثر من مرة بأنها لم تقــدم على هذا القرار إلا بعــد أن توفـرت لــديها أدلـــة قاطعــة عن تورط الأجهزة الإيرانيــة في استــهداف أمن المغرب ووحــدته الترابيـة، ومن تلك الأدلة التي وضعتها بلادنا أمام (ملالي) طهران:

   * قيــام خبراء عسكرييـن من (حزب اللـه) بتــدريب عناصــر من جماعة البوليساريو عـلى حـرب الشــوارع وتكويـن عناصر (كـومانــدوس).

   * إرســال أسلحــة ومتفجــرات مـن طرف (حزب اللـه) وإيصالها إلى معسكرات تنــدوف.

  * ثبـوت حالـة تورط أحد عناصر السفارة الإيرانيــة لدى الجـزائر (حامل لجواز دبلوماسي إيراني) فـي تسهيـل الاتصالات واللقــاءات بيـن جماعة البوليساريـو الانفصالية و(حزب اللـه).

والملاحـظ أن قيــام المغرب بتبليغ إيران بهــذه العناصــر الثلاث كان دليل حسن النية والرغبــة في أن تعــي إيران خــطورة تصرفات (حزب الله) بالوكالة، ومن ثمة الاعتــذار والالتــزام بعــدم السماح بتكــرار ما وقــع، وهذا ما لم يحصل للأسف.

   وبموازاة، و بتناغــم، مع الفعل ورد الفعل الإيــراني، ما كان من الجــزائر، وهي المســؤولة عما يقـع على أراضيها وفي مخيمـات تنــدوف، إلا أن أطلقت لهجتــها التهــديدية الغريبــة، بما تنطــوي عليـه مـن استفــزاز وتجــاوز غير مقبــول، كما جاء ذلك في ما نقلتــه وسائل الإعلام عــن مضمون رسائل رفعتهــا الخارجية الجزائريــة إلى الرئيس بوتفليقة، وتــدعو فيها إلى وقف التنسيق الأمني مع المغرب في إطار منظمات دولية خاصة (5 زائد 5)، وإلى القيام بجــولة عربية وغربية (لتكذيب تصريحات الرباط بشأن أنشطة حزب الله) ..

هناك ســؤال عريض يفـرض نفســه، ويقـــول: ما ســر تـلازم التحــرك الإيراني مـع اللهجـة العــدوانية الجزائريــة ضد ومــع انكباب الجماعة الانفصالية على حفـر الأنفاق والاستعــداد للعــودة إلى لغــة الحرب والتصعيد ضد البعثة الأمميــة وقرارات وقف إطــلاق النار؟.

هــذا السؤال يهــم بالدرجة الأولى المنتــظم الأممــي، وكذا الأطراف الدوليــة المؤثرة فــي قراراتــه تجــاه ملـف الصحراء المغربيــة، فقبل أيام فقط، وبعــد اتصالات ومشــاورات واسعــة، أصـدر مجلس الأمن الدولـي قــراره الجــديد الذي يأمر فيـه الجماعة الانفصالية بالانسحاب من المنطقة العازلة وبوقف استفزازاتها فـي المنطقــة، ويعيـد فيه التأكيــد على الحــل السياسي السلمي المقبول من كل الأطـراف، وعلى تعــاون بلدان الجــوار المعنيــة مـع جهـود الأمين العام الأممــي ومبعــوثه الشخصـي، ومن أجل ذلك فالمجتمع الدولي، وبالتحديد الأمم المتحدة، ينبغي أن يتحمل مسؤوليته وأن يقــوم بواجبه في حمايــة الشرعية وصيانــة وحمايـة سيادة الدول ووحــدتها الترابية، التي لا يجوز المساس بها بتاتا حتى ولو كان ذلك لأغــراض طائفية أو نشر نموذج نظام ولاية الفقيـه، أو غير ذلك…

على أن مسؤوليــة المنتظـم الدولي لا تعفــي المغرب من القيام بمهامــه ومسؤولياتــه، التي يعرفها جيــدا، مما مكنـــه من تطوير وتحــديث أساليب ومنهجيــة عملــه، وهو واع تمام الوعي بالمناورات والمخاطر التي تحملها السياسات الضيقة لبعض الجهات والتوجهات المعروفة، وهنا ومن اجتماع قريب مـن حدود الجمهورية الإسلاميـة الإيرانيـة، وهو القـمة المغربية ـ الخليجيـة (في السعودية أبريل 2016)، نبـه جلالة الملك محمـد السادس إلى “أن المخططات العــدوانية، التي تستهــدف المس باستقـرارنا، متواصلة ولن تتوقف، فبعـد تمزيق وتـدمير عـدد مـن دول المشـرق العـربي، هاهي اليـوم تستهــدف غربـه، وآخرها المناورات التي تحــاك ضد الوحــدة الترابيـة لبلدكــم الثاني المغرب، وهذا ليس جـديدا. فخصوم المغــرب يستعملون كــل الوسائل، المباشرة وغيـر المباشرة في مناوراتهـم المكشــوفة”.

ومن هـذا التنبيـه الملكي البليــغ، ومــن منهجيــة الدقة والصرامة والحســم، يستمــد العمل الوطني من أجل الوحــدة الترابية، دبلوماسيا كان أو برلمانيا أو في نطاق الدبلوماسية الموازية، يستمــد قــوته وديناميــته وحيــويته، غايتـــه: الحقيقــة والمشروعيــة والإنصــاف، وبدايتــه ونهايتــه احترام حقوق المغرب ووحــدته الترابيــة.

وصفوة القول:

لقد كان حريا بالجزائر، قبل أي دولة أخرى، أن تعي كل المخططات التي تستهدف عالمنا العربي والإسلامي، وتعمل من أجل الحفاظ على الوحدة الترابية للدول، لا أن تنساق مع المشاريع والمخططات الاستعمارية التي تستهدف تقسيم الدول وبلقنة الأوطان، وتمزيقها وهو ما أشار إليه الخطاب الملكي أمام القمة المغربية الخليجية بالرياض.

نفس المخططات الغربية الجهنمية هي ما تكرسها إيران اليوم في بعض الدول العربية والإسلامية لزعزعة استقرارها والمس بوحدتها في محاولة منها إلى تحويلها إلى كيانات هلامية أو كانتونات طائفية أو عرقية بغية تحقيق أطماعها وهيمنتها السياسية والإيديولوجية عليها لتجسيد مرامي حفنة الملالي الحاكمين في إيران لبسط نفوذهم على الدول المستهدفة.

وهو الفخ الذي سقطت في أحضانه الجزائر التي أصبحت مراميها تتقاطع مع الأطماع الإيرانية ليس في غرب الوطن العربي وحده، بل في كل مناطق العالم الإسلامي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock