رأيمستجدات

الطـمـــوح الكبيــــر

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

يتأكــد، يوما بعد يوم، أنه لا مجال أمام الحكومة ســوى مواصلـــة جهودها مـن أجـل خـلق المزيد مـن التراكم، وتعزيز حصيلــة أدائها وتسريع وتيــرة العمل علـى جميــع المستــويات، ولاسيمـا منهــا تلك المتصلــة بإنجــاز الأوراش المفتــوحة وتحقيق البرنامج المجتمعي، وكــذا ما يهــم الانتــظارات والأسئلــة المطروحة بشأن بعض الظواهر المجتمعية.
هـذا ما يستشف ويستنتــج من كثـافة جلسـات العمـل واللقــاءات التي تـركزت، خلال الأسبوع الماضـي، على تقييــم سير الأداء وتجــويد إنتــاجيته في العـديد مـن القطاعات، وكــذا في ما هـو منتظـر مــن خطـوات وتدابيـر لإطلاق ديناميــة جـديدة ومتجــددة في مسـار مشاريع التنميــة والبناء الديمقــراطي.
كما يفهــم مـن البيانــات والمعطيات المعلن عنــها، أن السلطات العمــومية أضحت على قناعة تـامة بأهمية التواصل والانفتـــاح على المجتمـع، بل إنها تسابق الزمـن لإقناع الرأي العام بأنها جــادة فــي مــد وتوسيــع جسور التواصل نحــو مختلف فعاليات المجتمــع ومكوناتــه، وأن قــول السيد سعد الدين العثماني بأن الحكومــة (تعمـل في صمت ودون ضجيــج) لا يمنــع مــن الاهتمام بهــذا الجانب والاشتغــال عليــه. وهـذا، أمر مهم باعتباره يمكــن المواطنين والمتتبعيــن من الاطــلاع على وضعيــة البلاد وسيــر العمل الحكومي في مختلف القطاعــات.
إن حضور فريق من العاملين بجانب رئيس الحكومــة ومعــه خمس مجلدات و1000 صفحــة من الوثائق التي تستعــرض حصيلة عمـل الحكــومــة منـذ تعيينــها، مؤخرا، يدل على نيتها الصادقة بأن تكون أكثر شفافية ووضوح في ما يتعلق بحصيلتها السنوية وما ينتظرها من مهام أخرى، وهو ما يتزامن مع انكباب أحزاب الائتـلاف الحكومـي على إعــداد مقترحات أحزابها بشــأن مشروع قانون الماليــة للسنة المقبلــة، من جهتــه أعلن الوزير المنتدب المكلف بإصلاح الإدارة العموميــة بأن تهييء (ميثــاق المرفق العام) يوجد فــي مـرحلتـه الأخيرة، قبل أن يعــرض على أنظار المجلس الوزاري المقبل.
وقبــل كل هذا، لا ينبغي أن يغيب عن الذهــن بأن هناك القضيــة الأولى… قضية الصحراء المغربيـة التي شـدت الانتبــاه مرة أخرى، بــداية الأسبوع الماضي، وبالذات في محفــل اجتماع القمــة 31 للاتحـاد الإفريقــي بالعاصمـة الموريتانيــة. ففــي ختام هــذه القمــة، وبخصوص قضيـة الصحراء، أعــلن عـن تشكيل لجنة رئاسيـة رباعيــة للمتابعـة، وهو ما كان من الطبيعي أن يثير تخوفات حقيقيــة مــن أن يقـــع (ملف الصحراء) في أيـادي العبث بالمنظمـة الإفريقية.
طبعا، من المعلوم أن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربـي ســارع، في حينـه وبنواكشــوط، إلى إعطاء التوضيحات التي تؤكــد أن الأمــم المتحــدة تظل هــي الجهــة الحصرية التي تشــرف على الملـف، وبأن (حــل نزاع الصحـراء هو بنيويورك وليــس بأديس أبابــا)، على أن إثارة الموضوع في مقرر القمة بهــذا الشكل إنما يــحتم على المغرب المزيــد من الحذر واليقــظة، خاصة وأن هــذا الأخيــر كان على وعي تـــام، حين قرر العــودة، بأن أجــهزة الاتحــاد الإفريقي تكونت بهـا لــوبيات ماتزال متمســكة بمواقف العــداء تجــاه المغرب وتجــاه الطريق الأسلــم لحـاضر ومستقبــل شعــوب القارة وبناء إفريقيــا الجـديدة.
وإن كان هـذا الواقع أمــرا معروفا لــدى كل المتتبعيــن للموضوع، كما ظهر في العديــد من المتابعات والقــراءات الإعلامية، فإن الأنظار تتوجه الآن إلى ما يمكــن أن تكشف عنــه الأيام أو الشهــور المقبلــة، وبالذات حول ما إن كــان المغرب قــد نجــح في التقليـــص من مربــع تتبـــع الاتحــاد الإفريقي لقضية الصحــراء أم العكـــس؟، وطرح السؤال هنا لا يعني بأي وجــه مــن الوجوه وجـــود أي تــردد أو (فتــور) في مواصلة المغرب لمعركــته الوطنية المشــروعة، دفــاعا وانتصــارا لقضيته الأولى، بل إن مدلول السؤال، ومعناه هــنا، هو الحرص على استثمــار صحـــة الموقف المغربــي السليم من أجــل تطـــويق الأطروحة الانفصــالية، وجعــل مختــلف بلـــدان القارة إلى جانب الحــق والمنــطق السليــم، حتى تتخلص إفريقيا مـن هــذا العبء العبثـــي المتناقض وحقائق التاريــخ والشرعية والمشــروعية.
ومعناه أن القضية .. قضية الصحراء المغربية تستلزم، هي الأخــرى وربما أكثر مـن غيرها، الكثير مـن الجهــد والاجتهــاد على المستــوى الإعــلامي، وفــي مجـال التواصــل والحـــوار المثمـر عبــر كـل القنوات السياسيــة والاقتصادية والدبلـوماسية، ومـن خلال ابتكــارات الدبلوماسيــة الموازيــة للهيئات السياسية والنقابية وفعاليات المجتمــع المدني.
كما أن قضية الصحــراء المغربية تأتي في مقدمـة القضايا التي يجـب أن تنفتح الأطراف الوطنيـة على بعضــها البعض بشـأن تطوراتهــا، وأن تكــون محــط تشاور وتعاون مستمــر وفاعل بين كـل الأطراف السياسية، وصولا إلى ما يمكن القيـام به مــن عمــل جمـاعي ومبادرات مشتركــة على مختلف الأصعدة تلتف حــولها كل الفعاليات والقــوى الوطنيــة، كما لا ينبغي أن يغيب عن البال بأن مــدة التمديد للمينورســو تقلصت إلى 6 أشهر عوض سنة وما يفرضه ذلك مـن استعـداد، لأن الأحـداث تسير بوتيــرة متسارعة ومتطورة.
هذا، علما بــأن مكانــة القضية الوطنية، كقضية مركزية، لا ينقص في شــيء مـن أهميـــة وقيمــة القضايـا الأخــرى، ومنها المشار إليها أعــلاه، أي:
* قانون المالية للسنة المقبلة، فالمهمـة تمكن من افتحــاص وتقييــم واقـع مختلف القطاعات، والوقوف على النتائج كيفما كانت، والقيام بالتعــديلات والتوازنـات الضروريــة. وميزانيــة الدولــة محــدودة، ولا يمكنهــا، في حجمــها الحالي، أن تف بــكل الحاجيات أو أن تغطــي كل الاعتمــادات اللازمــة لهذا القطاع أو ذاك، ومع أن هناك متطلبات لابــد من الاستجابــة لـها، وأن يكــون القانــون المالــي بحس اجتماعــي دون إغفال توفير الاعتمـــادات المفروض تخصيصها للاستثــمار العمـــومي.
* ميثـاق المرفق العـام، فوضع هـذا الميثاق والعمـل بـه، يعــد من الدعامات الأساسيــة لإصلاح الإدارة وترشيــد عملها، فورش الإصلاح الإداري لم يعـد يحتمل الانتظار أو القرارات عديمـة الجــدوى، وقد سبق لجــلالة الملك، وفي أكثر من مناسبة، أن نبــه إلى ذلك، كما جاء في خــطاب الذكرى الـ 18 لعيد العرش، حيث قال جلالته :”إن من بيـن المشاكل التي تعيــق تقدم المغرب، هو ضعـف الإدارة العموميــة، سـواء من حيث الحكـامة، أو مستوى النجاعـة أو جودة الخدمات التي تقــدمـها للمواطنيــن”.
* إعمال قانون محاربـة العنف ضد المرأة، وهو عربون على أن الآلــة التشريعية تشتغل وتنتــج، وأن النقاش والحــوار الوطني، بين مختلف الفعاليات السياسية والمجتمعيــة لــه مردوديتــه في انسـجـام تام مــع اختيارات البلاد الديمقراطية التي تكرم المرأة المغربية وتحفظ كرامتهــا وتقــدر كــفاءتها ومؤهلاتها الثقــافية.
هـذه نماذج مـن القضايا التي تحتــم ترسيخ فضيلة الحوار والنقــاش الذي سيعطي، لا محالة، ثماره، ويوفر الأجواء الملائمــة لمزيد من العطاء والبناء، سيما لما تتوفر الإرادة والعزيمــة مـن أجل ذلـك، وهي العزيمة التي جددت الحكومـة (الأسبوع الماضي) التعبير عنها من خلال الإعلان عـن التزامها بعرض شامل ونوعي للزيادة في أجور الموظفين، والرفع من التعويضات العائلية، والرفع مـن قيمة الدعم المباشر للأرامل والنساء المعوزات…، وتضمين قانون المالية تدابير داعمة لإحداث فرص الشغل، وتمديد الإعفاءات لفائدة مقاولات الشباب والحديثة النـشأة…
وبمثل هـذه الإرادة والعزيمة يمكن للبلاد أن ترفع التحديات وتربح الرهانات مهما كانت الصعاب أو الاختلالات، وخير تعبيـر عن هـذا التقدير نأخذه من خطاب جلالة الملك في افتتاح البرلمان، السنة الماضية، حيث قـال جلالته : “إن الاختلالات التي يعاني منها تدبير الشـأن العام ليست قـدرا محتوما، كما أن تجاوزها ليس أمرا مستحيلا، إذا ما توفرت الإرادة الصادقـة وحسن استثمار الوسائل المتاحـة. وهذا الأمر من اختصاصكم، برلمانا وحكومة ومنتخبين. فأنتم مسؤولون أمام الله، وأمام الشعب وأمام الملك عن الوضع الذي تعرفه البلاد. وأنتم مطالبون بالانخـراط في الجهود الوطنية بكل صـدق ومسؤولية، لتغيير هذا الوضع، بعيدا عن أي اعتبارات سياسوية أو حزبية. فالوطن للجميـع، ومن حـق كل المغاربة أن يستفيدوا مـن التقدم، ومن ثمار النمــو”.
نعــم، بحشد كل الطاقات، وتظافر جهود الجميع، وتفعيــل قنوات الحوار والتواصل بين كل المعنييـن، والإنصات لكل الأصوات والفعاليات الجادة، وبتحمل كل الجهات والمؤسسات لمسؤوليتها على أكمل وجـه… بكل ذلك نكون في مستوى إزاحة العوائق، وتجـاوز الاختلالات، وتجسيـد الطمـوح المغربـــي الكبيـر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock