كثيرة هي النماذج الملهمة لنساء اقتحمن مجالات عمل ظلت لعقود طويلة حكرا على الرجال، وكسرن تلك الصورة النمطية التي كانت تعتبر المرأة غير مؤهلة لمزاولة بعض المهن. وتزامنا مع اليوم العالمي للمرأة، حاولنا تسليط الضوء على القاضية المغربية، جميلة صدقي، التي فازت مؤخرا بـ “الجائزة الأوروبية الدولية للقيادة النسائية لهذه السنة. في هذا الحوار، سنقرب قراء “رسالة24” من هذه المرأة العصامية، التي شقت طريقها بجلد و صبر نحو التألق.
كيف توازن جميلة صدقي، بين أدوارها المختلفة: الأم، القاضية، ورئيسة منتدى حوار القضاة الأفارقة؟
القاضية جميلة هي الطفلة والشابة و الزوجة، والأم، وربة البيت، فكل مرحلة من حياتي كان لها وقع مختلف، وساهم في رسم مساري المهني بالصبر والمثابرة والعمل المتواصل.
حصلتم على الجائزة الأوروبية الدولية للقيادة النسائية لسنة2022، ما وقع هذه الجائزة عليك؟
شعرت بالفخر و الاعتزاز الشديدين لاختياري من طرف اللجنة المنظمة، فلقد شكل هذا التتويج، اعترافا لمساري المهني الذي امتد طوال 30 سنة من العمل الدؤوب ومراكمة الخبرات و التجارب. و لما كان التتويج على الصعيد الأوروبي، و قد كان له وقع و طعم آخر، فهو تعبير عن نجاح للمرأة العربية عامة والمغربية خاصة.
كيف جرى ترشيحكم لهذه الجائزة؟
جرى ترشيحي للجائزة من لدن المنتدى الدولي للنساء الرائدات لبروكسيل بأوروبا، من بين مجموعة من المرشحات على الصعيد الدولي، وبالنسبة لي تعتبر هذه الجائزة، بمثابة اعتراف دولي أوروبي بقدرات المرأة المغربية وكفاءتها.
هل يمكنك أن تقربينا من مسارك المهني، والأشواط التي قطعتها لتصلي لما أنت عليه الآن؟
حصلت على الإجازة في الحقوق تخصص قانون خاص، و بعد تخرجي من المعهد العالي للقضاء سنة 1990، بدأت مساري المهني، كنائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط، ثم نائبة رئيس نفس المحكمة، و بعد ذلك، التحقت بالكتابة العامة لوزارة العدل، من تم، عينت كقاضية الاتصال معتمدة لدى السلطات القضائية البلجيكية سنة2007 ، تم مستشارة قانونية ببعثة المملكة المغربية لدى الاتحاد الأوروبي سنة 2016. علاوة على ذلك حضيت بتعيني كأول امرأة مغربية بالمحكمة الإدارية للإتحاد الإفريقي سنة 2019 بعد أن استعاد المغرب كرسيه بمنظمة الإتحاد الإفريقي، وبعدها التحقت كمحامية عامة لدى محكمة النقض، إلى جانب وضعي رهن إشارة رئاسة النيابة العامة بديوان رئيس النيابة العامة السنة الماضية. و موازاة مع ذلك، أشغل منصب عضو في اللجنة المشتركة لمنظمة الاتحاد الإفريقي، والمكلفة بتعديل القانون الأساسي والنظام الداخلي للمحكمة الإدارية للاتحاد الإفريقي.
في نظرك هل يمكن أن تتولى المرأة المغربية في يوم من الأيام منصب رئيسة الحكومة؟
لما لا، فرئيس الحكومة مهنة كجميع المهن أساسها التدبير الحكومي لمدة معينة، والمرأة المغربية تقلدت مناصب عليا تؤهلها لتقلد منصب رئيس الحكومة مستقبلا.
ألا تتعرض القاضيات لضغوط من قبل الذكور خصوصا وأن هذا المنصب كان سابقا حكرا على الرجل فقط؟
خلاف ما يمكن أن يتصوره بعض الناس، يشتغل القضاة فيما بينهم، نساء ورجالا بانسجام تام في مواقع عملهم، ولم أشهد أي ضغط أو تمييز في التعامل، و لا أدل على ذلك هو تقلد المرأة القاضية مناصب المسؤولية التي كما قلت كانت حكرا على الذكور.
فالمرأة القاضية لم تعد تقتصر على محيطها المهني المتمثل في تدبير الشأن القضائي، وإنما انفتحت على ميادين أخرى، و خاضت مجال الديبلوماسية القضائية، وهذا التوشيح أعتبره نتاج للعمل المتواصل والدؤوب.
ما هي الصعوبات أو التحديات التي تواجه المرأة القاضية في مجالها المهني؟
من وجهة نظري، الميدان القضائي لا فرق فيه بين رجل و امرأة… فالحقوق والواجبات واحدة و هي على قدم المساواة بينهما. و من الممكن أن تكون هناك بعض الصعوبات التى قد تعترض المرأة القاضية، والمتمثلة في الموازنة بين واجباتها المهنية كقاضية والمنزلية كربة بيت.
إذن كيف توازنين بين واجباتك المهنية والمنزلية؟
مسألة الموازنة بين عمل المرأة عموما و واجباتها المنزلية غير متاح لجميع النساء. لكن، إمكانية تحقيق ذلك ترتفع إذا كانت المرأة تتلقى المساعدة والمساندة و الدعم من الزوج أولا داخل البيت، و من العائلة ثانيا، ومن المسؤول الإداري في ميدان العمل.
هل ترين أن الدستور المغربي لسنة 2011 قد أنصف المرأة المغربية؟
يكفيني أن جلالة الملك، محمد السادس، نصره الله، عند وضعه اللجنة الاستشارية لصياغة الدستور حرص أن تكون 5 نساء من بين أعضاءها للحفاظ على حقوقهن ومن بينهن قاضية ساهمت أيضا في صياغة مدونة الأسرة.
بمناسبة الحديث عن مدونة الأسرة، وبعد مرور 18 سنة من تطبيقها، في نظرك ألا يجب إعادة النظر في عدد من مقتضياتها لتواكب التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي؟
إن تنزيل مقتضيات مدونة الأسرة كان نتاجا للعمل الجاد الذي قامت به اللجنة الملكية الاستشارية، والتى حاولت الموازنة بين الحقوق من جهة وأيضا الواجبات من جهة أخرى، و للزوجين معا، مع الحفاظ أيضا على حقوق الأطفال. ورغم مرور 18 سنة، لازال الوقت مبكرا لتقييمها أو إدخال بعض التعديلات فيها، خصوصا وأن مدونة الأسرة عند صياغتها عمد المشرع إلى ملائمة مقتضياتها مع الاتفاقيات الدولية التي سبقت المصادقة عليها.
في كلمة…
وضع المرأة المغربية…
منذ حصول المملكة المغربية على استقلالها، أخذت وضعية المرأة مسارها الصحيح الذي يليق بها، خصوصا بعدما أعطى المغفور له الحسن الثاني الإشارة الأولى بتعيين صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة عائشة سفيرة للمملكة المغربية، وبعدها تعيين أول قاضية سنة1962 واللائحة طويلة، في الوقت الذي لم تكن شقيقتها العربية تعين في ذات المناصب، فالمرأة المغربية كانت على الدوام السباقة لتقلد المهام والمسؤوليات.