كثرت مقاطع الفيديو و صور الحرب في غزة عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. هذه المشاهد تنقل بشاعة الجرائم التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي في صفوف المدنيين من النساء والأطفال والرجال، و التي تخلف لا محالة أثرا نفسيا سلبيا يؤثر على سير الحياة اليومية للمشاهد. للتعرف على حدة هذه الآثار النفسية السلبية و معرفة سبل التخفيف منها، تواصلت رسالة 24 مع بشرى المرابطي أخصائية نفسية وباحثة في علم النفس الاجتماعي.
في البدء، تؤكد بشرى المرابط أن لمشاهدة الحروب عموما و العجز عن تقديم المساعدة يخلف أثارا نفسية خطيرة خاصة على فئة الأطفال و المراهقين وبعض الراشدين. لكن، للاعتداءات العنيفة التي تطال الأطفال والنساء والشيوخ كما هو الحال في غزة، و المشاهد الدموية المنقولة من هناك، لها آثار نفسية على المتابع. فعلى المستوى الجسدي ظهرت لدى العديد من الأفراد اضطرابات النوم و الأرق و الكوابيس، و كذا اضطرابات الأكل و فقدان الشهية و التبول اللاإرادي و قضم الأظافر عند بعض الأطفال.
أما على المستوى النفسي، ظهر عند العديد من الأشخاص المتابعين، و الذين تأثروا بمشاهد الحرب الدامية والقاسية، مشاعر الحزن المستمر، الكآبةّ، اضطراب المزاج، الشعور بالخوف و عدم الأمان، ارتفاع منسوب التعلق بالآباء خاصة في صفوف الأطفال وينجم عن ذلك ظهور قلق الفقد. كما أن هذا الوضع المزري إيقظ الاضطرابات الكامنة عند البعض و خاصة لدى الأشخاص ذوي البنية النفسية الهشة… و من أشهر هذه الاضطرابات: اضطراب القلق و اضطراب الهلع و حالة قلق ما بعد الصدمة، و هناك أيضا اضطرابات أخرى تختلف باختلاف الأفراد والتاريخ الشخصي لكل فرد.
و للتخفيف من حدة هذه الآثار السلبية، تقترح الأخصائية النفسية التقليل من زمن المتابعة و التوقف النهائي عن متابعة مقاطع الفيديو والصور التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي، و تعويض ذلك بمتابعة الأحداث عبر الأخبار المكتوبة لا المرئية أو المسموعة، ناهيك عن الانخراط في أنشطة المساندة لضحايا حرب غزة للتخفيف من مشاعر تأنيب الضمير. هذه الأنشطة تمكن الأشخاص من أن يبدعوا في المساهمة به في العمل الإنساني أو الانخراط في أعمال خيرية قائمة من طرف فئات مجتمعية.
و تؤكد المرابطي على ضرورة تجنب المشاهدة مساء للدضمان نوم مريح وهادئ و استبدالها بالمشاهدات الممتعة كالفكاهة والأفلام والمسلسلات وغيرها، و التي تجلب مصادر المتعة والطاقة للشخص، ناهيك عن الحرص على العودة للأنشطة المعتادة قبل الحرب وخلق أنشطة تجلب صحة نفسية إيجابية كالاسترخاء والتأمل العميق إلى جانب ممارسة الرياضة وتناول الأكل الصحي والنوم الجيد.
وتنصح الأخصائية بتناول المكملات الغذائية في الحالات الشديدة لتزويد الشخص بالطاقة مع الاعتماد على الدعم الأسري من خلال الحوار ومناقشة الأحداث مع الغير.
وتدعو المتحدثة إلى عدم تعريض الأطفال للضغط النفسي بالحديث المتواصل عن الحرب في وجودهم، مقترحة على الآباء مراقبة التغيرات الفجائية التي قد تحدث لدى الأطفال و المراهقين على المستوى الجسدي والمزاجي والذهني السلوكي مع اعتماد الحوار الدائم لإعادة بناء الأفكار وتصحيحها حول الأحداث مع مراعاة عامل السن لتمكينهم من البوح عما يخالجهم من مشاعر.