بعد تكررها، خلفت الرياح القوية التي عصفت ببلادنا، و بقوة وصلت إلى أزيد من 100 كلم في الساعة في بعض المناطق، خوفا و رعبا في قلوب المواطنين المغاربة. خاصة بعد فداحة الخسائر المادية، ناهيك عن الخسائر في الأرواح و المتمثلة في وفاة امرأة بمدينة طنجة. من يجعل البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى هذه الرياح القوية، و التي تكون أحيانا مصحوبة بالغبار، و تساءل المغاربة حول طبيعتها مشروعا.
لهذا الغرض، تواصلت ” رسالة 24 ” مع سعيد قروق الخبير في المناخ، و الذي أوضح أن الرياح القوية التي عرفها المغرب يوم الجمعة الماضي هي أحد مظاهر الميزانية الطاقية المرتفعة للأرض. فجميع المظاهر الجوية، كيفما كان نوعها، تعد أحد مراحل التحول الطاقي للطاقة الشمسية التي نسميها بالميزانية الطاقية. فمنذ مدة ارتفعت الميزانية الطاقية للأرض، و هذا هو سبب الاحترار الأرضي المؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة، و الذي جعل من مختلف الظواهر التي أصبحنا نعيشها تتسم بما يمكن أن نصفه بالتطرف. بمعنى أن الحرارة أضحت مرتفعة جدا، و مستوى الجفاف حاد و المطر يكون مخربا والرياح قوية جدا. و هذا يجعلنا أمام عدة تحديات في وسطنا و في حياتنا و أنشطتنا المختلفة، بحيث يجب أن نكون على وعي كامل بهذه المتغيرات. فما كان استثناءا في القرن الماضي، و في السبعينات على وجه الخصوص، أصبح اليوم قاعدة مثل الرياح القوية التي عشناها، فلا يمكن معالجة مشاكل جديدة بمفاهيم وأدوات قديمة.
و يوضح الأستاذ قرورق أن الرياح التي عشناها الجمعة الماضية هي نتيجة انخفاض جوي عميق جدا حصل في غرب السواحل الإيبيرية والذي أدى إلى تحريك رياح قوية، و بفعله وصلت هذه الأخيرة إلى المغرب. فالرياح نفسها التي هبت في شبه الجزية الإيبيرية، كانت لها نفس التداعيات التي عرفها شمال المغرب.
أما فيما يخص الأمطار، فكانت نتيجة وصول منخفض جوي عبارة عن كثلة هوائية باردة وصلت إلى المغرب، و عملت على تبريد الهواء المحلي المغربي المملوء بالرطوبة، الشيء الذي أدى إلى التساقطات.
و يفيد المتحدث، في هذا السياق، أن هذه التساقطات كانت مرتقبة في ظل درجة الحرارة التي عشناها السنة الماضية، و التي أدت إلى تسخين المحيطات بطريقة غير مسبوقة. مما يؤثر بشكل كبير على المناخ ما دام الوسط الجوي يستمد الطاقة من المحيطات الدافئة. إن هذه العملية تمت في البداية في أوروبا و في أمريكا الشمالية، و التي تسببت في عواصف ثلجية و برودة قاسية و عودة كثيفة للثلوج في العديد من المناطق.
و يستطرد المتحدث قائلا: إن هذه الحالة الجوية كانت مرتقبة. لكن، من المستحيل أن نتوقع متى و أين ستقع. فحين توفرت الشروط لذلك، ظهرت هذه الظواهر التي تولد عنها موارد مائية مهمة لن تعوض الجفاف الذي نعرفه منذ سنوات، لكنها ستغذي الفرشة المائية بدون شك.
و بخصوص الغبار الذي تحركه الرياح، يفيد قروق أن الغبار يرتبط بالسطوح الجافة. فيكون عادي جدا في فصل الصيف. أما العامل الطبيعي المسبب له هو في ظاهرة الجفاف التي تخيم على المغرب منذ سنوات. والسبيل لايقاف عملية تطاير الغبار هو تساقط الأمطار التي تبلل التربة و تمنعها من التطاير. لهذا نجد أن المناطق التي لم تشهد التساقطات كشرق المغرب و في جنوبه الشرقي هي التي عرفت تطاير الغبار.