يبدو أن فرنسا قررت النزول من علياءها، بعدما أدركت أخيرا أن توتر علاقاتها مع المملكة المغربية لن يصب في مصالحها. فالمغرب ماض في شق الطريق نحو تحصيل مكتسبات قضيته الوطنية، بعد توالي الاعتراف من دول وازنة مثل كل من الجارة اسبانيا و ألمانيا بعدما فهما الدرس مبكرا. فقد قررت فرنسا نهج سياسة التقرب اتجاه المغرب بدءا بتوجيه سيدة فرنسا الأولى دعوة لأخوات الملك محمد السادس لزيارة قصر الإليزي، موازاة مع زيارة وزير خارجية فرنسا للمغرب وتنوهيه بمقترح الحكم الذاتي.
و عن عزم فرنسا تصحيح موقفها و إمكانية عودة العلاقات المغربية الفرنسية إلى مجاريها، يرى عبد الصمد بلكبير في تصريح لـ”رسالة 24 ” أن خطاب جلالة الملك كان مفصليا و واضحا و صريحا بخصوص سياسة النظارة التي يرى بها المغرب علاقاته مع البلدان، و هي الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. فهذا الموقف الملكي غير المسبوق لم يصرح به في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. و يرجع ذلك لكون موازين القوى آنذاك لم تسمح به. و بالتالي، المغرب لم يعد يقبل بأمور تظل بالنسبة إليه مبدئية، فمن يتعامل مع المغرب يجب أن يعيد حساباته، لأن هذا الأخير لن يتعامل معه على الأقل كما السابق في إطار منحه فرصة لتصحيح موقفه.
و يكاد المحلل السياسي يجزم أن المقصود الرئيسي من هذا المقياس هو فرنسا لأنه بعد الاعتراف الأمريكي والإسباني والألماني …اتضح أنها من تقف وراء المشكل، و هذا ما يبرر فترة الجفاف التي ألمت بالعلاقات الفرنسية المغربية. فالمغرب إذن منحها فرصة لتصحيح مسارها و توقيف النزيف واسترجاع العلاقات كما كانت عليه نظرا لأصالة العلاقات القوية التي تجمع البلدين، و على جميع المستويات سواء التاريخية أو الاقتصادية أو الثقافية… شريطة الخروج من المنطقة الرمادية. و يؤكد المتحدث أن فرنسا دفعت ضريبة هذه الأزمة السياسية التي أوقعت نفسها فيها مع المغرب وخسرت الكثير، بخلاف المغرب الذي يحصد انتصارات متوالية، لعل أبرزها وصول العلاقات الإسبانية و المغربية والألمانية إلى أوجها على حساب نظيرتها الفرنسية، فضلا عن دول خليجية صديقة تقدمت في موقفها و ابتعدت عن الموقف الجزائري.
و يصف الأستاذ بلكبير الخطوات التي تتخذها فرنسا صوب المغرب بالتقدم التدريجي لتصحيح موقفها الذي يحتاج، بالتأكيد، إلى وقت.
و عن سبب امتناعها عن الجهر بسيادة المغرب على صحرائه، يفسر المتحدث ذلك باللوبي الجزائري في فرنسا. إلا أن عودة العلاقات الفرنسية المغربية إلى سكتها سيكون لا محالة في إطار الشروط التي سيحددها المغرب.