زادت العصابة الحاكمة في الجزائر من منسوب عدوانها على كل من طاله لسانها من دول الجوار أو الدول الشقيقة والصديقة التي تسعى إلى ربط علاقات شراكة وتعاون وتفاهم إقليمي وقاري ودولي لتدبير مبادلات أو تيسير معاملات أو الرقي بفرص الاستثمار والتنمية أو إقامة صرح للسلام والاستقرار والعيش المشترك.
لم تسلم مالي ولا النيجر ولا نيجيريا ولا ليبيا ولا موريتانيا من تهديدات وإغراءات العصابة بالامتناع عن المشاركة في أي مشروع تنموي أو شراكات مع المغرب، وهي العصابة التي ظلت تساوم وتمني هذه الدول بإنجاز مشاريع في الوهم، لعقود من الزمن، تعلقت بأنابيب غاز أو ببنيات تحتية من طرق للنقل والمبادلات وجسور للربط، أو بإنجاز مناطق حرة للتبادل التجاري في لا شيء. كما لم تسلم دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعرف العصابة الحاكمة مسبقا مواقفها الثابتة من مغربية الصحراء، وعلاقاتها المتينة والقوية مع المملكة المغربية، من الهجوم الأرعن للعصابة عليها بوصفها بعاصمة الفتنة و”التخلاط” عبر أبواقها الإعلامية، بمجرد ما قام المغرب ودولة الإمارات بتفعيل شراكاتهما في مشاريع كبرى وهيكلية تعود بالنفع على البلدين، ولا تسيء لا إلى الجزائر ولا إلى غيرها، اللهم إلا إذا كانت العصابة تتصور أي تقدم وازدهار لبلد جار أو شقيق وصديق، عدوانا عليها وفتنة لها، وتحسب أي نداء أو صيحة عليها.
أزمتها مع إسبانيا كذلك بسبب من تطوير هذه الجارة الأوروبية، لمواقفها من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بعيدا عن الأطروحة الانفصالية الجزائرية، تعكس بوضوح مبلغ عبث العصابة وغبائها في اختيارها التضحية بكل مصالح بلدها ومستقبل شعبها وعلاقاتها الديبلوماسية مع الدول، وهي العلاقات المفترض أن تقوم على احترام سيادة الدول وقراراتها بشأن شراكاتها ومعاملاتها وعهودها واتفاقياتها مع دول شريكة لها في تدبير جوارها ومصالحها المشتركة.
كل هذه الدول وغيرها، نالت نصيبها من السب والقذف والشتم، والتدخل في شؤونها السيادية، التي لم تحترم فيها العصابة أخلاقا إنسانية أو أعرافا ديبلوماسية، وهاجت وماجت وتحركت في كل الاتجاهات، لمنع أي انعكاسات إيجابية للمبادرات السلمية والتعاونية التي تنسجها هذه الدول مع المغرب، بهدف نزع فتيل التوتر، أو بهدف الانخراط في مشاريع كبرى للتنمية والتحرير والتطوير والربح المشترك.
وإذا كانت دول الجوار الإفريقي والأوروبي، أو الدول العربية والإسلامية تستغرب كل هذا الكم المتصاعد من السعار والتحرك الغوغائي للعصابة التي تحكم الجزائر في كل الاتجاهات لقطع الطريق على أي تعاون قاري أو دولي من شأنه أن يوطد دعائم الاستقرار والتنمية في المنطقة، ويجفف منابع التطرف والكراهية والإرهاب والحروب والعداوات، فإننا في بلادنا، وبحكم ما نتعرض له يوميا وفي كل الميادين وبدون استثناء، منذ أزيد من نصف قرن من سوء جوار، وحملات عدوانية استهدفت المغرب دولة وشعبا وأرضا، لا نستغرب أن يصدر مثله من هذه العصابة ضد أي دولة شقيقة أو صديقة، أو أي بلد قريب أو بعيد، لأن ما تراه هذه الدول الصديقة والشقيقة في الجزائر من كونها بلدا يحكمه منطق الدولة والمصالح المتبادلة، لا نراه كذلك من خبرتنا بسلوكات الطغمة التي تحكمه، والتي لا تنتمي لا إلى منطق تسيير الدولة الحديثة، ولا حتى تسيير بلدية… فالعشوائية والانفعال والرغبة في الانتقام والتعنت والتطاول على الشعوب والدول، فضلا عن تبني خطابات متناقضة وعنصرية في ردود أفعالها ومعاملاتها
للشعوب والدول، بمناسبة وبدون مناسبة، لا تشي إطلاقا بإمكان أن يصدر عن مثل هذه المنظومة السياسية العجيبة، إلا نظير ما يصدر عنها مما نراه من شطحات وأساليب مقيتة وحقيرة في تدبير علاقاتها الديبلوماسية. فلا حكمة ولا رغبة أصلا في تسوية الأزمات وربط العلاقات ومد الجسور، لأن إيديولوجيا العصابة قائمة ابتداء وانتهاء على المتاجرة في الأزمات والصراعات والحروب والدماء، وعلى الابتزاز والتهديد بالفوضى وبالتدخل، كما وقع في حالتي مالي والنيجر، وعندما نشرت الأبواق الإعلامية للعصابة مؤخرا تهديدات مبطنة إلى النيجر بالإغراق بالفوضى مباشرة مع زيارة الديبلوماسية النيجيرية للمغرب لتوقيع اتفاقات ومعاهدات لا شأن لها بالجزائر من قريب أو بعيد.
إن العصابة تعتبر كل ما تقوم به من قطع للعلاقات، وتزوير للتاريخ والحقائق، ومن تهديدات للدول ولأمن المنطقة واستقرارها، ومن نشر للكراهية، هو من بطولات الجزائر، ومن دلائل قوتها الضاربة وانبعاثها، والحال أن الاستثمار في الاستقرار والسلام، والرقي بالمعاملات والعلاقات، وطمأنة الدول والشعوب، وضمان مصالحها، وتهدئة التوترات، والبحث عن حلول مبتكرة لمعضلات التنمية والتطوير والتغيير، مما يقوم به المغرب من أجل مستقبل أفضل للعيش المشترك والتعاون المثمر سواء في الفضاء المتوسطي أو القاري أو الدولي، هو معيار الرقي والسمو، والقوة الضاربة الحقيقية التي تتشكل بتكتلات وبأحلاف، وليس باستعراض العضلات والتهديد الدائم لسيادة الدول وأمنها ومصالحها.
لقد اختارت العصابة الملعونة أن تحرف تاريخ الجزائر من تاريخ للوحدة والتضامن والتآزر، إلى عامل تشويش وفرقة وتوتر ونشر للنزاعات والحروب الإقليمية، وتوسعت بما يكفي في استعداء الشعوب بعضها ضد بعض، وخدمت إلى حد كبير نزعات الاستعمار والهيمنة في المنطقة، معتبرة دورها الوظيفي الخادم للاستعمار، رسالة لها في العمل الديبلوماسي وفي بناء العلاقات بين الدول على أساس فكر الهيمنة والاحتقار والتطاول والمساومة الرخيصة والرشاوى. كما اختارت أن تتكسب بدماء شهداء الوحدة والتحرير، وتختطف تراثهم وإرثهم الكفاحي المشترك مع إخوانهم المغاربة، لتجعله منضويا تحت راية العدو، وخادما مطيعا لمؤامرات التقسيم والتجزيء والعداء لكل ما هو مغربي، أو يمت بصلة إلى المغرب. وهي إذ تفعل ذلك تنسى أنه بمحوها لهذا الإرث المشترك وبمحاولاتها عزل المغرب وعرقلة مسيرته التنموية، إنما تقطع الجزائر عن عمقها المغربي ومتنفسها الغربي الممد لها بالرياح اللواقح.
والعصابة إذ تختار هذا المسار العدواني المتصاعد ضد دول المعمور بناء على معيار قرب هذه الدول من المغرب وعمق علاقاتها به، فإنها إنما تختار السباحة ضد التاريخ الذي يقضي بأن المغرب ماكث هنا في صحرائه كما كان ولا يزال منذ قرون خلت، وبكل الرقي الحضاري والأخلاقي والديبلوماسي الرفيع الذي يملكه، وأنه جاثم هنا بكل قوة ومنعة على صدور كل الأخساء والمنحطين والرديئين ممن اختاروا أن يعاكسوه ويعادوه، باسط يديه لكل شركائه في الخير وتبادل المصالح والمنافع التي عليها قيام الدول ونهضة الشعوب.
إن لمثل هذه العصابة المتهورة التائهة في أدغال الكراهية، والغارقة في الأزبال، والتافهة في قراراتها، والصبيانية في سلوكاتها، خلقت مؤسسات العقاب والشفاء، من سجون ومارستانات ومزارات، لتُشفى فتحيى مع الأحياء، أو تَشقى وتهلك فيرتاح العالم منها.