لطالما توصلت الجهات الدولية من منظمات حقوقية وازنة وهيئات مانحة وحكومات ومنتظم أممي ومجتمع مدني بشكايات وبتقارير موثقة ودامغة عن الأوضاع اللاإنسانية والمزرية في مخيمات الاحتجاز والذل والعار بتيندوف، دون أن تحرك ساكنا كما تفعل عند أبسط انتهاك أو شبهة أو شكاية غامضة.
لقد شجع الصمت والتغاضي عن الانتهاكات المتعاظمة بمخيمات هي الأغرب من نوعها في العالم، على مد مرتزقة البوليساريو بكل الأضواء الخضراء وإشارات المرور الآمن إلى مزيد من الأنشطة الإجرامية وتوسيعها والتفنن فيها،لتشمل كل الممنوعات والمحرمات الدولية، وكل ما يمكن بيعه والاتجار فيه من البشر إلى الأسلحة إلى المسروقات، بالإضافة إلى التحكم في مصائر المحتجزين وحرمانهم من العيش الكريم، ومن حرياتهم وحقوقهم الأساسية، وأبسطها الحق في حرية التنقل والاختيار، وبسبب من غياب الردع، والتواطؤ الإقليمي والدولي على إطالة معاناة المحتجزين والمتاجرة بمآسيهم. وساهم الإفلات من المحاسبة والعقاب على تناسل الصور الفاضحة عن هذه الخروقات والانتهاكات التي لم يعد ممكنا إخفاؤها أو التغاضي عنها، نظرا لتوسع مجال ارتكابها وامتدادها إلى أراضي دول أخرى كانت إلى وقت قريب توفر الحماية والرعاية والحصانة لنشطاء مرتزقة البوليساريو، وتتستر عليهم، بحكم مواقفها السابقة الداعمة للأطروحة الانفصالية.
فهذه إسبانيا تستيقظ في نهاية الأسبوع الفارط وبداية هذا الأسبوع على فضيحتين إنسانيتين كانت مثيلاتهما معروفة لكل متابعي الأنشطة الإجرامية والفضائحية لعصابة المرتزقة، وشملتها تقارير موثقة لم يعرها المجتمع الإسباني ولا المجتمع الدولي بصفة عامة بالا:
ـ الفضيحة الأولى: الكشف عن شبكة يقودها أفراد من مرتزقة البوليساريو ونشطاء إسبان داعمون لهم، متخصصة منذ سنوات في استدراج أطفال وقاصرين من مخيمات تيندوف للإيقاع بهم في أتون أنشطة جنسية تحت مسمى رحلات الترفيه والتخييم الصيفي. فقد اعتادت عدد من الهيئات والمنظمات الخيرية والإحسانية بجزر الكناري وبشبه الجزيرة الإيبيرية وبأمريكا اللاتينية على تنظيم عمليات التخييم الصيفي لأطفال المخيمات في غياب أية رقابة أو تتبع من أسرهم أو من جهة مسؤولة عنهم، وخلف عدد من هذه التظاهرات الصيفية عشرات الضحايا من الأطفال الذين استغلوا في قبل مافيات بيدوفيلية، لم تكتف باغتصاب براءة الصغار وإنما قامت بتصوير الاغتصاب وبيع أشرطته في سوق الإباحية والمحتويات الرقمية الجنسية. ليست حالة الناشط الإسباني البيدوفيلي الداعم للمرتزقة “ميغيل ن”ولا حالة ممثل المرتزقة بكاتالونيا المدعو” عابدين بشرايا” وباقي شركائهما في المتاجرة الجنسية بأطفال مخيمات تيندوف، الذين تم توقيفهم من قبل السلطات الإسبانية في الثالث والعشرين من هذا الشهر بالحالة الوحيدة والمعزولة لهذا
النشاط الجرمي المتعاظم في مخيمات الذل والعار، والذي وصل إلى العالمية وبلغ درجة التنظيم المتشعب والمعقد،بفعل غض الطرف عنه، وضعف آليات الرقابة والمساءلة على أعمال مرتزقة لا يُسألون عما يفعلون، واضطهاد الأسر والعائلات وقمع احتجاجاتها، وابتزازها ومساومتها في مظالمها ومظالم الضحايا من أبنائها وبناتها بالأموال وبالسلامة والأمن، وإنما هذا الحدث هو الشجرة التي تخفي غابة مغلقة وموحشة من الانتهاكات والخروقات والجرائم، اسمها صحراء تيندوف حيث لا دولة ولا قانون ولا قضاء ولا عدالة ولا إعلام ولا خبر.
ـ الفضيحة الثانية: تزامنت مع الأولى وتمثلت في تفكيك السلطات الإسبانية لشبكة أخرى متخصصة في الاتجار بالبشر عن طريق تزوير وثائق إدارية وملفات طبية وهمية،بهدف الحصول على تأشيرات طبية أو إنسانية للانتقال إلى إسبانيا ومن ثمة الهجرة الدائمة بطريقة غير شرعية إليها. أعضاء هذه الشبكة هم من المرتزقة وداعميهم من الطرفين الجزائري والإسباني، والغريب الصادم للإعلام الإسباني الذي تابع خبر الكشف عن هذه الشبكة الإجرامية، والذي لم نكن نستغربه نحن المغاربة، أنه دائما ما تظهر في واجهة التستر على هذه الجرائم منظمات إنسانية وهيئات طبية وحقوقية نبيلة، يعمل بها انفصاليون وداعموهم، ويتخذونها مطية للتغطية على جرائمهم، والمساعدة على ارتكابها وتسهيل النصب والاحتيال. فالشخص المرتزق الانفصالي المنسق بين أفراد هذه الشبكة الاجرامية والذي يدعى ” الحسن ولد لبصير” يعمل مع الصليب الأحمر الإسباني، ويستغل العمل الإنساني والطبي لهذه المنظمة من أجل توسيع أنشطة العصابة الإجرامية ومراكمة ثرواتها وأرباحها من التجارة في الملفات الطبية المزورة لساكنة المخيمات.
تنضاف هاتان الفضيحتان الجديدتان في مخيمات الذل والعار، إلى سلاسل الفضائح المتواترة والمطردة والمتوسعة التي سمع بها العالم دون أن تعني شيئا لا لدوله ولا لإعلامه وصحافته الاستقصائية، ولا لوكالاته ومنظماته الإنسانية والحقوقية، فما أكثر ما حملته التقارير والشكايات والتحقيقات من فظائع التعذيب والتهجير والاغتيال خارج القانون، والمتاجرة في المساعدات الإنسانية، والتهريب والإرهاب، وتجنيد الأطفال واغتصاب النساء، والنصب والاحتيال والتزوير، وغيرها من الجرائم الفظيعة والانتهاكات الجسيمة، دون أن تفتح فيها تحقيقات موسعة وشاملة ورادعة للمجرمين.
فهل يَنتظر المجتمع الدولي ونسيجه الجمعوي إلى حين انفجار مخيمات الذل والعار والشنار بهذا الكم الهائل المتصاعد من عفن الإرهاب والجرائم المنظمة العابرة للحدود، حتى يَفتح هذه المخيمات الغارقة في الرعب والقذارة،على الرقابة والتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية التي ترعاها بكل صفاقة وتحد ونذالة دولة بجوارنا، متخصصة في التزوير ومشغولة بإنشاء ورعاية وتنمية مخيمات ومراكز التدريب على الإجرام والإرهاب.