
هل يمكن أن يصبح الإنتحار ملاذ الأشخاص الذين يعيشون ضغوط نفسية وإجتماعية؟ سؤال يصعب الإجابة عليه، لأن الأسباب تبقى مجهولة، أصبحنا نشاهد كل يوم خبر انتحار شخص ما دون ذكر السبب، مما يجعلنا نستفسر عن الأسباب التي جعلت بعض المواطنين يختارون إنهاء حياتهم بشكل مروع دون التفكير في محيطهم الأسري، ففي الأسبوع الماضي تم تداول مقطع فيديو يوثق لحظات انتحار شاب ألقى بنفسه من أعلى قنطرة بمدينة الدار البيضاء، مساء الأربعاء، ليسقط جثة هامدة، حيث انتشر فيديو عبر مواقع التواصل الإجتماعي يوثق لحظة قفزه من أعلى قنطرة رغم رغم المحاولات المتكررة لثنيه عن تنفيذ مخططه الانتحاري، إذ أصيب بجروح خطيرة عجّلت بوفاته على الفور.
وفي السياق ذاته أصيب شاب يبلغ 36 عاما بكسور وجروح وُصفت بـ”الخطيرة”، أمس الأحد بجماعة تادرت في إقليم جرسيف، إثر محاولته الانتحار بإلقاء نفسه من أعلى قنطرة وادي “الكطاف”، وفي سياق منفصل عاشت مدينة أسفي على خبر انتحار فتاة بعدما ألقت بنفسها من أعلى جرف أموني بشاطئ حاضرة المحيط الأطلسي، ما أدى إلى ارتطامها بالصخور ووفاتها.
هذه بعض الحالات التي سجلت في الأسبوع الماضي في حين هناك حالات لم يتم الإعلان عنها مما يجعلنا نطرح السؤال التالي: لماذا أصبحت ظاهرة الإنتحار متفشية بالمجتمع المغربي؟
وفي هذا الإطار فسر زكرياء اكضيض، باحث في علم الاجتماع، في تصريح لـ”رسالة24″، ظاهرة الانتحار بأنها ليست وليدة الفترة الراهنة، وما نشاهده من حالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قد تشكل للمتلقي صورة عامة عن ظاهرة الانتحار المتفشية في الآونة الحالية، لكنها ظاهرة ضاربة في القدم ولازالت مستمرة، رغم اختلاف اقاعاتها ووتيرتها حسب الشروط الموضوعية المتواجدة.
وحسب التحليل السوسيولوجي يوضح اكضيض أن ظاهرة الانتحار لا يقترن بالمحددات النفسية والطبيعية،بل هي انتاج اجتماعي، تحكمه البيئة التي يتواجد بها الفرد، مستشهدا بالسوسيولوجي ايميل دوركهايم، الذي فسر ظاهرة الإنتحار في كتابه الشهير بالعودة للتضامن الاجتماعي، فدرجة التضامن الاجتماعي للفرد تحدد طبيعة السلوك الذي يقدم عليه، إما لديه إيمان بفكرة الإنتحار باعتباره الخلاص مما يعيشه، وحسب ايميل دوركهايم، يجب النظر لظاهرة الانتحار انطلاقا من درجة التضامن الاجتماعي.
وينطلق الباحث في علم الإجتماع من فرضية، درجة التضامن الاجتماعي التي تعتبر المحدد لفهم ظاهرة الانتحار في المجتمع، ويمكننا القول أن التحولات التي تطرأ في المغرب خصوصا التحولات التي جعلت القيم تعيش نوعا من الضمور ويقصد هنا قيم الاستهلاك التي ظلت كامنة ولم تتغير، مثل قيم الإحتفال بالطقوس الموسمية التي ظلت قارة ومستمرة، وظلت المحافظة على وتيرة الحياة هذه القيم التيطاللها نوع من الكمون في حياة الفرد بمختلف تفاصيلها.
وأوضح اكضيض أن هذه قيم الاستهلاك يكمن تجسيدها من خلال تحقيق الشروط الإقتصادية التي يمتلكها الفرد، لأن الشروط الاقتصادية التي يعيش فيها المواطن التي لم يستطع المواطن مواكبتها. كل هذه التحولات الإقتصادية التي عرفها المجتمع جعلتنا أمام تناقض بين القيم المرغوب فيها وبين الشروط الموضوعية لتحقيق هذه القيم، وهذا ما يخلق تناقضا لدى الفرد يمس بمجموعة من المقولات السائدة بالمجتمع من قبيل “الرجولة” مثلا، والتي تتجسد في قيمة الشغل وقدرة هذا الرجل على رفع مستوى استهلاكه، ومن تم فمقولة الرجولة توضع على محك، أن هذا الرجل لا يستطيع أن يحقق القيم التي وضعها المجتمع نظرا لشروط الاقتصادية التي يعيش فيها.
ويرى الباحث في علم الإجتماع، أن التحولات الفجائية التي طرأت نتيجة ارتفاع الأسعار خلقت نوعا من اللا معيارية وخلخلت المقولات السائدة بالمجتمع وجعلت الفرد يعيش تناقضات داخلية وخارجية حادة تمس بهذه الرمزية الإجتماعية.
وخلص اكضيض بأن هذه التحولات الفجائية التي خلقت نوعا من اللامعيارية يمكن إعتبارها أرضية خصبة تتغذى عليها ظاهرة الإنتحار بالمجتمع المغربي، هي مجرد فرضية في حاجة للاختبار الميداني من أجل فهم ظاهرة الانتحار في المجتمع المغربي.