يتجه المغرب نحو مستقبل رقمي واعد من خلال استراتيجية “المغرب الرقمي 2030″، التي تم إطلاقها أول أمس الأربعاء، وتهدف هذه الإستراتيجية إلى تحويل المغرب إلى مركز رقمي إقليمي في شمال إفريقيا، وتعزيز مهارات الشباب الرقمية لتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة.
كما أكدت الوزيرة غيثة مزور أن إنجاح استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” مرهون بالأساس بالإسهام الفعال لكل منا في تنزيلها برقى يسعى لتطلعاتِ صاحب الجلالة ، ويستجيبُ لانتظارات المواطنات والمواطنين المغاربة.
في هذا الحوار الذي جمع موقع “رسالة24” بسليمان العمراني باحث في قضايا التحول الرقمي وإصلاح الإدارة، سيقدم لنا قراءة شاملة حول الأهداف الرئيسية لهذه الاستراتيجية، وكيف تتماشى مع رؤية المملكة وكيف سيتم تنزيل هذه الإستراتيجية على أرض الواقع.
ما هي الأهداف الرئيسية لإستراتيجية “المغرب الرقمي 2030″؟ وكيف تتماشى مع رؤية المملكة لتحقيق التنمية المستدامة؟
يبدو من العرض الذي قدمته الوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي للإدارة، أن النص المقدم يفتقر إلى تحديد دقيق للأهداف الخاصة بهذه الاستراتيجية. وكما هو متعارف عليه في إعداد الاستراتيجيات الناجحة، ينبغي أن تقوم على توجيه استراتيجي واضح، تتبعه أهداف إستراتيجية محددة ومحاور عمل مفصلة، وصولاً إلى الغايات المنشودة.
وعلى الرغم من تناول الإستراتيجية لمحورين أساسيين، إلا أن التركيز كان منصبًا بشكل أساسي على التوجهات العامة، في حين لم يتم التطرق للأهداف الإستراتيجية الرقمية بالشكل الكافي. بل كان من المتوقع أن يتضمن النص عرضا دقيقا للأهداف القابلة للقياس والتنفيذ، وهو عنصر أساسي لضمان نجاح أي إستراتيجية.
عند فحص نص الاستراتيجية الرقمية، وبصرف النظر عن الملاحظات التي يمكن تقديمها، كان من الأجدر أن يتناول العرض المرجعيات الأساسية التي تستند إليها هذه الاستراتيجية بوضوح. فقد تم التطرق إلى التوجيهات الملكية كمصدر أساسي، إلا أن النص أغفل الحديث عن باقي المرجعيات الأخرى التي كان من المهم الإشارة إليها. ومع ذلك يمكن استنباط بعضا من هذه المرجعيات من خلال قراءة النص بعناية.
كيف ستساعد هذه الإستراتيجية في تحويل المغرب إلى مركز رقمي إقليمي في شمال إفريقيا؟
تشكل الاستراتيجية الرقمية رافعة أساسية لتحسين موقع المغرب على الصعيدين القاري والدولي، ولا سيما في منطقة شمال إفريقيا. وفقا للمؤشرات العالمية الرائدة، مثل مؤشر الحكومة الإلكترونية الصادر عن الأمم المتحدة، غالبا ما يحتل المغرب المرتبة الثانية أو الثالثة في شمال إفريقيا. إلا أنه وللأسف، يأتي في المرتبة التالية بعد تونس في عدة مناسبات، لكنه يتفوق على دول أخرى في المنطقة مثل الجزائر وليبيا وموريتانيا.
في حين يتطلب التحدي الراهن بذل مجهودات كبيرة من المغرب لتصدر المركز الأول في شمال إفريقيا. وعلى مستوى القارة الإفريقية ككل.
ويبرز مؤشر الحكومة الإلكترونية للأمم المتحدة لعام 2024، أن المغرب حل في المرتبة الرابعة، وهو تصنيف مميز يعكس تقدما ملحوظا، رغم استمرار تفوق جنوب إفريقيا. ومع ذلك، يمكن القول إن موقع المغرب يتحسن بشكل مستدام على مدار السنوات، مما يعزز مكانته الإفريقية تدريجيا.
إن أحسن المغرب تفعيل هذه الاستراتيجية بفعالية، فستكون دون شك أداة محورية لتعزيز موقعه في شمال إفريقيا وعلى الصعيد الدولي. ولعل من أبرز مؤشرات هذا التحسن، التقدم الذي حققه المغرب في مؤشر الحكومة الإلكترونية للأمم المتحدة، حيث انتقل من المرتبة 101 في عام 2022 إلى المرتبة 90 في عام 2024، محققاً بذلك قفزة نوعية بـ 11 مركزا. ويستند هذا التصنيف المرموق إلى ثلاثة معايير أساسية: “جودة الخدمات الإلكترونية، قوة البنية التحتية الرقمية، وكفاءة تنمية الموارد البشرية”. وقد نجحت الإستراتيجية الرقمية المغربية في ملامسة هذه المحاور الثلاثة، مما يعزز وتيرة التقدم بوتيرة متباينة ولكن ثابتة.
كيف تساهم الإستراتيجية في تطوير المهارات الرقمية لدى الشباب وتأهيلهم لسوق العمل الرقمي؟
تستند الاستراتيجية الرقمية إلى محورين استراتيجيين، مع التركيز بشكل خاص على تطوير المهارات الرقمية. ويعكس هذا الاهتمام العميق بالتأهب للمستقبل الرقمي، من خلال الشراكات التي تعقد مع وزارة التعليم العالي ومؤسسات أخرى، بهدف توفير تكوين رقمي شامل للشباب.
كما تكتسب هذه الاستراتيجية أهمية بالغة من خلال سعيها لإنتاج مهارات رقمية وطنية تعزز من القدرة التكنولوجية المحلية. كما أن الأهداف التي وضعتها الاستراتيجية تتماشى مع ما جاء به النموذج التنموي الجديد، مما يدل على التوجه الجاد نحو تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
إن تنفيذ هذه الشراكات والاتفاقيات بفعالية يعتبر عنصرا أساسيا لنجاح الاستراتيجية، حيث سيساهم ذلك في تعزيز قدرة المغرب على صناعة المواهب الرقمية. ويمتد النجاح في هذه الجهود ليشمل تعزيز الابتكار والتكنولوجيا، كما يفتح آفاقا جديدة لمستقبل واعد للبلاد.
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه تفعيل هذه الإستراتيجية؟
إن إعداد الإستراتيجية الرقمية يتطلب جهدا كبيرا، وقد استغرقت الوزارة سنتين كاملتين ليس فقط في بلورتها، بل أيضا في ضمان تنفيذها بشكل فعال. لهذا كان التحدي الرئيسي الأول: الذي واجه الإستراتيجية الرقمية هو نفسه الذي واجه استراتيجيات سابقة، كما تواجهه العديد من البرامج العمومية، وهو حسن التنفيذ، يتطلب ذلك الإشراف المستمر والمنتظم من الناحية المؤسساتية على عملية التنزيل من خلال اللجنة الوطنية لتنمية الرقمية التي يرأسها رئيس الحكومة. وقد نص المرسوم على ضرورة انتظام عمل هذه اللجنة، وعرض تقارير دورية حول تقدم الإستراتيجية الرقمية ومعالجة الصعوبات التي قد تعيق تنفيذها، مع التدخل في الوقت المناسب لحل أي اختلال يتم رصده.
ولهذا، لابد من اتخاذ إجراءات تنظيمية لضمان التنفيذ السليم للإستراتيجية الرقمية، وهذا يتطلب وضع برنامج تفصيلي يحدد المسؤوليات والأدوار، ويضبط المواعيد الزمنية والتكاليف المرتبطة بكل إجراء بشكل دقيق.
التحدي الثاني: يكمن في تحقيق التزام مؤسسي شامل. فقد كانت هناك مؤسسات شاركت بفعالية في صياغة هذه الاستراتيجية، وهذا جانب بالغ الأهمية. ولكن التحدي الحقيق يتمثل في ضمان التزام هذه المؤسسات وغيرها من الجهات المعنية بالتنفيذ الفعّال. فتنفيذ الاستراتيجية لا يقع على عاتق وزارة الانتقال الرقمي وحدها، بل يستلزم مشاركة جميع المؤسسات المعنية، بما في ذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.