
يثير مشروع قانون الإضراب جدلا واسعا بين الحكومة والنقابات العمالية، إذ تعتبره الأخيرة تراجعا خطيرا عن المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة بينما تؤكد الحكومة أنه يهدف إلى تنظيم هذا الحق الدستوري. وفي ظل غياب توافق اجتماعي شامل، تتزايد المخاوف من أن يؤدي تمرير هذا القانون إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. في هذا الحوار، تسلط إيمان غانمي، الكاتبة العامة الوطنية لمنظمة المرأة العاملة والمقاولة بالمغرب، الضوء على أسباب رفض مشروع قانون الإضراب والمطالب التي تسعى النقابات إلى تعديلها في نص المشروع.
تابعتم تطورات مشروع قانون الإضراب، وعبرتم عن رفضكم لتمريره بالأغلبية البرلمانية. لماذا هذا الاعتراض؟
إن تمرير هذا القانون في ظل غياب حوار اجتماعي حقيقي يعكس بوضوح توجها استبداديا يرمي إلى فرض قيود مشددة على الحق في الإضراب، وهو حق مكفول دستوريا ومدعوم بالاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب. إننا أمام مقاربة سلطوية تجهز على المكتسبات التاريخية للحركة العمالية المغربية، في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية متردية، حيث بات ارتفاع الأسعار، واتساع رقعة الهشاشة، واستفحال البطالة، وقمع الحريات النقابية، سمات أساسية للمرحلة.
الحركة النقابية خاضت نضالات مريرة على مدى عقود من أجل انتزاع حقوقها، ولن تقبل اليوم أن تتحول ممارسة الإضراب إلى جريمة مغلفة بقانون يمنح المشغلين وأرباب العمل سلطة التحكم في مصير الشغيلة، ويجعل ممارسة هذا الحق مرهونة بإجراءات بيروقراطية معقدة وشروط تعجيزية.
هناك من يقول إن القانون يهدف إلى تنظيم الإضراب وليس منعه. ما ردكم على ذلك؟
هذا الادعاء مضلل وقائم على مغالطة تهدف إلى التغطية على المرامي المستترة وراء هذا القانون، الذي لا ينشد التنظيم بقدر ما يهدف إلى تجريم الإضراب بشكل غير مباشر. القانون، بصيغته المطروحة، يمنح المشغلين صلاحيات واسعة لتقييد الإضراب عبر فرض آجال معقدة، واشتراط لوائح مسبقة، وإلزام العمال بضوابط تعسفية تمنعهم من الدفاع المشروع عن مطالبهم العادلة.
إن أي حديث عن “تنظيم” يجب أن ينطلق من رؤية متوازنة تحمي حقوق العمال، لا أن يتحول إلى وسيلة لخنق العمل النقابي وتقويض دوره الدستوري في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة. هذا القانون جاء ليعكس توجهات سياسية نيوليبرالية تخدم مصالح الرأسمال الريعي والاحتكاري، على حساب الفئات الكادحة التي تعاني أصلا من ضعف الأجور، وتدهور شروط العمل، وانعدام الحماية الاجتماعية الحقيقية.
منظمة المرأة العاملة والمقاولة بالمغرب عبرت عن رفضها لإقصاء بعض النقابات من الحوار. كيف يؤثر هذا على شرعية القانون؟
الإقصاء الممنهج لبعض المركزيات النقابية المناضلة والجادة وفي مقدمتها المنظمة الديمقراطية للشغل، يعكس إرادة واضحة لتمرير وفرض قانون يخدم مصالح أرباب العمل دون الأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر الفاعلين الحقيقيين في المشهد النقابي.
كيف يمكن الحديث عن حوار اجتماعي، بينما يتم إقصاء القوى الاجتماعية ممثلة في النقابات الأكثر ارتباطًا بالطبقة العاملة؟
إن هذا السلوك يفرغ الحوار الاجتماعي من مضمونه، ويحوله إلى واجهة شكلية وتسويقية لإضفاء الشرعية على قرارات أحادية الجانب. الحركة النقابية ليست مجرد طرف مكمل، بل هي مكون أساسي في أي دينامية ديمقراطية، ومصادرة صوتها يعكس انحرافا خطيرا في تدبير القضايا الاجتماعية. إن تمرير قانون الإضراب في ظل تغييب النقابات الجادة سيؤدي إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي، وإلى تصعيد غير مسبوق في الأشكال النضالية، لأن العاملات و العمال لن يقفوا(ن) مكتوفي(ات) الأيدي أمام هذا التراجع الخطيرعن مكتسباتهم(ن) التاريخية.
الحكومة تدعو إلى الحوار، لكنكم تتهمونها بالانفراد بالقرار. كيف تفسرون ذلك؟
ما نراه ليس حوارا، بل عملية إملاء فوقي تنهجها حكومة نيوليبيرالية فاشلة، تتشدق افتراء بشعار “الدولة الاجتماعية”، بيد أنها تمعن منذ وصولها الى تدبير الشأن العامفي تنفيذ سياسات لا شعبية ولا ديمقراطية، تكرس الهجوم الممنهج على الحقوق والمكتسبات المادية والمعنوية والاعتبارية للشغيلة المغربية، وعبر خطاب سياسي موغل في السلطوية والهيمنة والاستفراد بالقرار،وكل ذلك تحت يافطة “الإصلاح”!
الحكومة تحاول تسويق خطاب مفاده أن مشروع القانون الحالي هو نتيجة نقاش موسع، في حين أن الواقع يكشف أن القرارات تُصاغ داخل دوائر مغلقة، بعيدا عن أي تشاور حقيقي مع الفاعلين الاجتماعيين.
إذا كانت الحكومة جادة في التزامها بالحوار، فلتبدأ أولا بإقرار سياسات اجتماعية عادلة ودامجة، تحترم حقوق العمال، وتعيد الاعتبار لمبدأ الحوار والتشاور، بدل الاستمرار في نهج سياسة فرض الأمر الواقع. نحن أمام مخطط واضح،لإعادة إنتاج نموذج اجتماعي قائم على تهميش العمل النقابي، وإفراغ الحوار الاجتماعي من مضمونه، وتحويله إلى مجرد آلية لإضفاء الشرعية على توجهات نيوليبرالية معاكسة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنات والمواطنين.
ما الخطوات المقبلة التي تنوون اتخاذها؟
المكونات المناضلة و الجادة للحركة النقابية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الهجوم غير المسبوق على حقوق العاملات و العمال. الإضراب الوطني لم يكن سوى خطوة أولى في مسار نضالي طويل، يهدف إلى إسقاط هذا القانون الجائر وإجبار الحكومة على فتح حوار جدي ومسؤول بدل الاستمرار في فرض سياسات رجعية ولاشعبية تضرب في العمق كل المكتسبات التي تحققت بفضل عقود من النضال والتضحيات.
إننا ندعو إلى إعادة النظر في المشروع برمته، على أساس احترام المبادئ الدستورية والالتزامات الدولية للمغرب، واعتماد مقاربة تشاركية حقيقية تضمن التوازن بين مصالح العمال والمشغلين، بدل محاولة تحويل العمل النقابي إلى جريمة مغلفة بقانون. على الحكومة أن تدرك أن مواجهة الحركة النقابية بهذه الطريقة لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد، وأن الاستقرار الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق عبر تكميم الأفواه، بل عبر سياسات عادلة تضع الإنسان في صلب الأولويات، بدل التضحية به في خدمة مصالح المشغلين وأرباب العمل.