آخر أخبارمجتمعمستجدات

غابة المعمورة.. رئة بيئية مهددة ومبادرات لإعادة الحياة

اعتادت فئة من ساكنة مدينة سلا والمناطق المجاورة التوجه نهاية كل أسبوع إلى غابة المعمورة، بحثًا عن لحظة هدوء بين أحضان الطبيعة، أو سعياً وراء الرزق بين زوارها. رغم تعدد الأسباب، فإن الوجهة تظل واحدة. غير أن هذا المتنفس الطبيعي الثمين بات مهدداً في وجوده، ينذر بالاندثار، ويطرح تساؤلات جدية حول سبل إنقاذه وضمان استدامته.

غابة المعمورة… ثروة إيكولوجية في خطر

تقع غابة المعمورة في الشمال الغربي للمغرب، وتمتد على طول الساحل الأطلسي، على بعد نحو 50 كيلومترا من العاصمة الرباط، وتغطي مساحة تناهز 130 ألف هكتار. تعد واحدة من أكبر غابات الفلين في العالم، وتحتضن تنوعا بيولوجيا غنيا، يضم أنواعا نباتية كبلوط الفلين والصنوبريات، إلى جانب حيوانات برية منها الأيل البربري والأرنب الساحلي، التي انقرض بعضها للأسف.

تلعب الغابة دورا بيئيا بالغ الأهمية، يتمثل في إنتاج الأوكسجين، وامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون، والمساهمة في الحفاظ على جودة الهواء والمياه الجوفية. كما تكتسي أهمية سوسيو-اقتصادية، لكونها مصدرًا للخشب والورق، وموفرة لفرص الشغل لعدد من الأسر المحلية.

ورغم هذه الأدوار الحيوية، تعاني المعمورة من تهديدات متزايدة، كما أكد السيد رشيد النواري، محافظ المياه والغابات بمنطقة سيدي اعميرة، مشيرًا إلى ضغوط بيئية ومناخية متراكمة، أبرزها تغير المناخ، وتوالي سنوات الجفاف، مما زاد من احتمالات اندلاع الحرائق وتسارع وتيرة التصحر. إلى جانب ذلك، تساهم الأنشطة البشرية في تدهور الغابة، من خلال الرعي الجائر، واجتثاث الأشجار، وجمع الحطب وثمار البلوط بشكل مفرط، ما يتجاوز قدرة الغابة على التجدد الطبيعي ويقلص من مساحتها بشكل مقلق.

إجراءات وتحديات التشجير والتخليف

في تصريح سابق لموقع “بناصا” بتاريخ 30 يناير 2024، قال السيد فؤاد عسالي، مدير التشجير والمخاطر المناخية بالصندوق الوطني لزراعة الأشجار:
“ندرك التحديات، ولكننا متفائلون بقدرتنا على بلوغ هدفنا: تشجير 100.000 هكتار سنويا، و600.000 هكتار بحلول سنة 2030.”

لكن تعويض غابة المعمورة بأشجار البلوط الأخضر يواجه عراقيل عدة، أبرزها ندرة التساقطات، والإفراط في جمع ثمار البلوط، إضافة إلى بطء نمو هذه الأشجار، الذي قد يستغرق أكثر من 25 سنة، فضلا عن الأمراض التي تصيبها وشيخوخة الغطاء الغابوي الحالي.

أمام هذه التحديات، تلجأ الوكالة الوطنية للمياه والغابات إلى تقنية “التشجير” بأصناف أسرع نموا، مثل الأكاسيا، كحل مؤقت للحد من التدهور البيئي. ومن أجل توضيح الفرق بين عمليتي التشجير والتخليف، تواصلنا مع الخبير البيئي مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية والتنمية بالقنيطرة، والذي أوضح أن: التشجير يتم في مناطق لم تكن مغطاة بالغابة، أو تلك التي تعرضت للإزالة التامة، ويستخدم فيه أصناف كالأكاسيا أو الأوكاليبتوس.
التخليف يتم في المناطق التي فقدت غطاءها الغابوي جزئيا، ويهدف إلى إعادة غرس الأشجار المحلية كالبلوط الفليني، للحفاظ على هوية الغابة الأصلية.

رغم صعوبة عملية التخليف، تبذل الوكالة الوطنية جهوداً كبيرة في الحفاظ على غابة البلوط، إذ تمتلك مشاتل متخصصة لإنتاج الشتائل والعناية بها قبل إعادة غرسها ضمن مساحات مخصصة ومحروسة.

الشراكة مع المجتمع المدني والساكنة

من بين المبادرات اللافتة في هذا الإطار، ما تقوم به جمعية “شباب سيدي اعميرة للبيئة والتنمية”، التي تعمل بشراكة مع الوكالة الوطنية على إشراك شباب المنطقة في عمليات التشجير، حراسة الغابة، والتبليغ عن المخالفات. وقد أجرينا لقاءً مع رئيس الجمعية، السيد لحسن لزهر، الذي أكد أن الجمعية تسعى لتوفير فرص عمل للشباب المحلي، عبر إشراكهم في صون الثروة الغابوية وحمايتها.

وقد صادف فريقنا لحظة انطلاق عملية غرس أشجار الأكاسيا، بتنظيم من الجمعية وبتعاون مع الوكالة، بمناسبة اليوم العالمي للغابات، بمشاركة عدد من الفاعلين والمؤطرين.

من التنظير إلى الفعل… مقترحات واقعية للحفاظ على غابة المعمورة

في ظل التحديات البيئية الراهنة، تبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة تتجاوز الخطاب النظري، نحو أفعال ملموسة. ومن بين المقترحات:

-توظيف الذكاء الاصطناعي في مراقبة الغابات ورصد الحرائق مبكرا، عبر تقنيات الاستشعار وتحديد المواقع بدقة.
– إجراء دراسات بيئية دقيقة لفهم تأثيرات التغير المناخي على الأنواع النباتية، والعمل على تطوير أصناف مقاومة للجفاف والأمراض.
– تشجيع المبادرات الفردية والجماعية لحماية البيئة، وتفعيل دور النوادي البيئية في المؤسسات التعليمية، وجعلها شريكاً أساسياً في حملات التوعية والمشاريع البيئية.

غابة المعمورة ليست مجرد رقعة خضراء، بل هي كنز بيئي وثقافي يستحق الحماية، ويستوجب تعبئة جماعية من مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، والمواطنين على حد سواء. الحفاظ عليها مسؤولية جماعية تتطلب وعياً، تخطيطاً، وجرأة على الميدان.

اظهر المزيد

Rissala 24

مدخل الخبر اليقين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock