آخر أخبارحديث الأربعاء

قرار إزاحة

بفضل التراكمات في قرارات مجلس الأمن بشأن ملف النزاع المفتعل والمعمر بشأن الصحراء المغربية، وبفضل التطورات الحاصلة ميدانيا، والتقدم المغربي المحرز في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وتزايد الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، والقوة الإقناعية لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد ممكن وواقعي وعادل وذي مصداقية لإنهاء النزاع، وانحشار المؤامرة الجزائرية الخبيثة في أضيق زواياها الإقليمية المنبوذة، وبفضل توافقات الدول الوازنة على حسم النزاع لصالح السلام والاستقرار والتنمية وإنهاء عقود من الاستفزاز والابتزاز والعدوان التي خرج منها المغرب منتصرا مرفوع الرأس بعدالة وشرعية مواقفه الوحدوية، انعقد العزم على تفكيك هذه اللعبة السياسية والملهاة الدولية، للتوجه رأسا وقدما وبالإجماع لاستصدار قرار إزاحة وإزالة وسحب هذا الملف الجاثم على أنفاس دول المنطقة وشعوبها، والمقيد لكثير من دول العالم عن تنمية وترقية علاقاتها ومبادلاتها وشراكاتها البينية، خصوصا شراكاتها مع المغرب ومع محيطه الإفريقي.

ويأتي انعقاد هذا العزم الدولي الوطيد على إزاحة هذه الغمة في سياق أشغال الجلسة المغلقة الحاسمة لمجلس الأمن، أول أمس الإثنين، المخصصة لمناقشة مستجدات ملف النزاع حول الصحراء في شقه السياسي الذي تقدم فيه المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي السيد ستافان ديميستورا بإحاطة للمجلس، وفي شقه الميداني الذي عرضه الممثل الخاص للأمين العام وقائد بعثة المينورسو السيد ألكسندر إيفانكو.

وتتطابق وجهات النظر والنوايا والإرادات الأممية بشأن هذه المستجدات وتتقاطع وتلتقي لتفضي كلها إلى انعطافة كبرى في اتجاه إغلاق ملف النزاع المفتعل نهائيا بفتح وتعبيد الطريق أمام الحل السياسي التفاوضي برعاية أممية وبدعم دولي، وفي إطار وحيد هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

ثمة إذا ثلاثة حواسم وقواطع تم التوصل إليها ويجري العمل على قدم وساق في ظل التحولات الدولية المتسارعة لتكريسها من أجل الختم على قفا كل من لا يزال يحلم بتجميد ملف النزاع إلى ما لا نهاية، واستغلاله لتصفية حساباته الضيقة وأحقاده الدفينة ضد المغرب الشامخ والواثق في عدالة قضية وحدته الترابية.

الحسم الأول هو الإقرار والتقرير كذلك بأن الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هو الأساس الوحيد والأوحد الممكن لحل واقعي ومتمتع بالشرعية والمصداقية والجدية، وأن ما سواه من الخيارات الأخرى القديمة المقبورة مثل الاستفتاء أو المفترضة المتداولة منذ مدة من مثل التقسيم، لم تعد موضع نظر أو مباحثات أو أي إشارة أممية.

والحسم الثاني هو أن الآلية الوحيدة للتداول بشأن التوافق على الحل المطروح المتمتع بالدعم الدولي والأممي، واستبعاد ما سواه من خيارات وآليات أثبتت تقادمها ولا واقعيتها، هو مواصلة عقد الموائد المستديرة التي أقرتها المجموعة الدولية عبر قرارات لمجلس الأمن، منذ 2007، والتأمت منها مائدتان عامي 2018 و2019 بجنيف، شاركت فيها الأطراف الأربعة المعنية والمحددة أمميا، لتنقلب عليها الجزائر وتعود دون حسيب أو رقيب أو رادع إلى مربعها الأول الرافض والمنسحب والملوح بالاستفتاء المقبور… وكان على المنتظم الأممي في شخص المبعوث الشخصي للأمين العام المكلف بمهمة إحياء هذه الآلية المقررة، وبناء على مهمته ومسؤولياته التي احترمها المغرب إلى أبعد مدى، أن يعيد المتعنتين إلى جادة الصواب وأن يحملهم مسؤولية عدم التعاون مع المنتظم الأممي، الأمر الذي لم يقم به، إلى أن انتهت لعبة المماطلة إلى الباب المسدود، وبرزت سياقات دولية جديدة فرضت العودة إلى هذه الآلية التفاوضية الوحيدة، التي تظل بدون منازع الوسيلة الحضارية الوحيدة التي يدعمها المغرب لإشراك الفرقاء والخصوم في تدبير تركتهم وإرثهم من هذا النزاع المفتعل بلا جدوى ولا طائل. فلا مناقشة خارج الموائد المستديرة التي تشارك فيها بالضرورة القوة الهاربة التي هي نظام العصابة الحاكمة في الجزائر، وتتحمل كامل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية عن رفض المشاركة بمبرراتها الواهية وغير المقنعة التي كشفت بنفسها عن زيفها أمام العالم، وهي المنازعة في كونها طرفا من عدمه في موضوع الصحراء.

والحسم الثالث وبعيدا عن تشتيت المهام والوظائف والأدوار المسندة إلى البعثة الأممية في الصحراء وإلى الممثل الخاص وكذا المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي، فإنه سيتم تحيين هذه الأدوار لتتمحور حول هذا المستجد المتعلق بالتوافق حول مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد وأوحد ممكن للنزاع، وقابل للتنزيل والتطبيق، بحيث سيمدد للمبعوث الشخصي للأمين العام في مهمته كما سيمدد للبعثة الأممية في ولايتها، على أساس مراجعة المهام والأدوار وتركيزها في مهام محددة بخارطة طريق إرساء الحل السياسي التفاوضي المؤطر بمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية ولا شيء غيره من بعثة استفتاء أو تقرير مصير. ولا يسمح بعد ذلك وفي إطار التدبير الأممي الحصري لملف النزاع، وفي سياق الدينامية المتصاعدة لتأييد مقترح الحكم الذاتي المغربي ودعمه، بإثارة أية نقطة انحرافية أو تراجعية عن هذا الإطار، درءا للعودة إلى المناورات والمؤامرات والانسدادات التي ملت منها الدول والشعوب طيلة نصف قرن من الجمود، وليست مستعدة ـ كما قال وزير خارجية إسبانيا خوسي مانويل ألباريس ـ للانتظار خمسين سنة أخرى عقيمة.

إن من شأن الحسم الأممي في الدعم القوي لمسار الحل السياسي التفاوضي وضمن إطار مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كأساس وحيد لهذا الحل، أن يحرر كثيرا من الدول والشعوب التي تقيد قراراتها وصداقاتها وشراكاتها البينية وترهنها بحل النزاع على مستوى الأمم المتحدة، وهو النزاع الذي يعتقد عدد من الفاعلين والمسؤولين الدوليين، بناء على الدعاية الاعتراضية الجزائرية وعلى التأويلات المغرضة للقرارات الأممية، أنه يلجم قراراتهم ويفرض عليها لزوم الحياد والتراجع إلى حين تقرير مصير هذا الإقليم المنازع فيه.

إن إقرار المجتمع الدولي ومنظمته الأممية التي وضع ملف النزاع حول الصحراء على طاولتها حصرا، بحصرية الحل السياسي في إطار الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، وسحب وإزاحة جميع الخيارات السابقة التي ثبت فشلها واقعا ومصداقا، وبشكل واضح وصريح لا يدع مجالا للمناورة أو التشكيك، يعزز من فرص إنهاء هذا النزاع بحفظ الدماء والحقوق والعهود والسيادات، ليس لصالح الوحدة الترابية للمغرب فحسب، وإنما لصالح جميع دول المنطقة وشعوبها التواقة إلى الوحدة والتضامن والاستقرار والسلام، والرافضة للإرهاب والانفصال، ولصالح التعاون المثمر والمبادلات المربحة والشراكات الاستراتيجية الكبرى والاستثمارات المنتجة التي تقف على بوابتي المتوسط والأطلسي لاستكشاف الجسر الصحراوي المغربي المفضي إلى العمق الإفريقي، ومنه إلى أوروبا وأمريكا وسائر بلاد العالم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock