في سياق المطالبة بإصلاح عميق لمدونة الأسرة، نظمت فدرالية رابطة حقوق النساء، مائدة مستديرة بمقرها بالرباط تحت عنوان: “إحداث هيئة للصلح والوساطة مستقلة عن القضاء ومراجعة مدونة الأسرة.. تجارب مقارنة”، بحضور خبراء وفاعلين في الشأنين الحقوقي والقانوني، إلى جانب ممثلة عن التجربة البلجيكية في الوساطة الأسرية.
وشكل اللقاء منصة لتبادل وجهات النظر حول آليات أكثر عدالة ونجاعة في تدبير النزاعات الأسرية، خارج الأروقة القضائية. وتركز النقاش حول أهمية إحداث هيئة مدنية ومستقلة تعنى بالوساطة، تكون بديلا للمساطر القضائية الطويلة والمعقدة، مع الأخذ بتجارب دولية ناجحة، في مقدمتها بلجيكا التي اعتمدت قانوناً حديثاً للوساطة سنة 2018.
فوزية عسولي، الرئيسة الشرفية للفدرالية، شددت على أن إصلاح مدونة الأسرة يجب أن يتجاوز الجوانب الشكلية ليرتكز على أدوات مرنة تعكس الطابع الإنساني للنزاعات داخل الأسرة. واعتبرت أن الوساطة ليست مجرد إجراء قانوني، بل أداة مجتمعية لبناء التفاهم وتخفيف حدة النزاع، مؤكدة أن غياب إطار قانوني يؤطر الوساطة الأسرية، وعدم معالجة قضايا مثل تقاسم الممتلكات، يزيد من هشاشة النساء بعد الطلاق، خاصة اللواتي ساهمن في بناء الحياة الزوجية دون ضمانات قانونية.
من جهتها، قدمت هيلدي ميلو، محامية بلجيكية ورئيسة سابقة للمجلس الأعلى للعدالة، عرضا مفصلا حول التجربة البلجيكية، موضحة أن القانون الجديد شجع الأطراف على اللجوء إلى وسطاء محايدين لحل نزاعاتهم، خصوصا في قضايا الحضانة والنفقة، مشيدة بانفتاح المغرب على الاستفادة من النماذج المقارنة.
وشدد المشاركون في المائدة المستديرة على أن مؤسسة الصلح كما هي قائمة اليوم داخل المحاكم المغربية “لا ترقى إلى معالجة فعالة للنزاعات الزوجية”، بسبب طابعها الشكلي وافتقارها للموارد البشرية المؤهلة. ودعوا إلى إرساء هيئة مستقلة عن القضاء، تشتغل بمنهجية الإنصات والعدالة الترميمية، وتضم وسيطات ووسطاء خضعوا لتكوين متخصص، مع مراعاة مصلحة الطفل وحقوق النساء.
كما خلص النقاش إلى مجموعة من التوصيات، أبرزها التعجيل بمراجعة شاملة لمدونة الأسرة، وإدماج آلية الوساطة الأسرية ضمن بنيتها، باعتبارها أداة لحماية الكيان الأسري وتكريس ثقافة الحوار والتفاهم، بعيداً عن منطق الصراع والتقاضي.
