آخر أخبارحديث الأربعاء

سوق الوهم في الدولة الحبيسة

من عجائب دولة الجوار الشرقي التي تتجه إلى ضرب عزلة تامة عنها والقطيعة مع جوارها الإفريقي بفعل تماديها في الأعمال العدائية، أن تقترح على الدول الإفريقية الحبيسة إطلالة على البحر المتوسط وفك عزلتها الجغرافية والانفتاح على التجارة الدولية باستعمال البنيات التحتية والطرقية والسككية والموانئ الجزائرية، غير المتوفرة أصلا، في الوقت الذي تشكو فيه هذه الدولة المبادِرة من جمود خانق، وانحباس تجاوز الجغرافيا إلى السياسة والديبلوماسية والاقتصاد، ومن رؤية عدائية مستحكمة في علاقاتها القارية والدولية، وبالضبط مع جوارها من شمال البلاد وجنوبها ومن غربها وشرقها، بدون استثناء.

فهذه البلاد التي تحكمها عصابة مردت على العداء والكراهية وإنتاج الأزمات والاتجار فيها، لا يمكنها أن تكون جزءا من أي حل، ناهيك عن أن تقود مبادرات للانفتاح أو تقدم العون، أو تفك العزلة عن دول إفريقية حبيسة جغرافيا، لأن واقع حال هذه البلاد مع العصابة التي تحكمها فضلا عن سياستها الخارجية العدوانية، ومشاريعها الحبيسة، تضع أكثر من علامة شك في خطاب التعاون والشراكة والقصد إلى التنمية وتبادل المصالح، بالنظر إلى ترويج العصابة لمبادرة الواجهة المتوسطية الوهمية عبر إعلامها وأبواقها الدعائية، على أنها إسقاط للمبادرة الأطلسية الملكية المغربية، وانتصار على المخزن وضرب لمخططاته في الساحة الإفريقية هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الطريقة البهلوانية والعشوائية لاقتراح المبادرة الوهمية على لسان تبون العصابة في خطاب افتتاح معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر، تكشف عن استهزاء بالمتلقي الإفريقي ومخاطبة انفعالاته، بحيث لم يقدم لا تبون ولا إعلامه ورقة ولا أرضية لمشاريع هذه المبادرة وأهدافها، باستثناء استنساخ رديء ومزور للمبادرة الأطلسية الملكية الواقعية، مع الحديث عن ربط دول الساحل بشبكة السكك الحديدية والطرق والموانئ والمطارات الجزائرية، وهي الشبكة التي لا تربط مناطق وجهات الجزائر نفسها بعضها ببعض، ولا يمكن واقعا حتى تسميتها بشبكة، فضلا عن أن الجنوب الجزائري المتصل بالحدود مع دول الساحل المعنية بالمبادرة هو خارج العصر والتاريخ من حيث الربط بالطرق والسكك وغيرها. فإلى غاية اليوم ظل وعد تبون في حملته الانتخابية لعهدته الأولى عام 2019 بمد القطار إلى تامنراست، معلقا، وشكل هذا القطار الوهمي الموعود لما يقرب من سبع سنوات مجرد شعار وحلم بعيد المنال، وعلامة صارخة على الكذب والفشل في دولة العصابة، فمن لم يربط وهران والجزائر العاصمة بتمنراست جنوبا بطريق صالح للنقل والتنقل وسكة حديدية ثابتة وقوية لا تجرفها كثبان رمال الصحراء المتحركة، كيف سيربط النيجر أو مالي بها… ولأن هذا الإلقاء العشوائي لمبادرة انفعالية فاقدة للمصداقية في مواجهة مبادرة مغربية فاعلة قوية، قد تلقتها الدول الإفريقية المعنية بها بتجاهل تام، وكأن لسان حالها يرد على تنطعات تبون وتعاليه واستسهاله الحديث عن مد الجزائر يد العون للأفارقة بمسح ديونهم ودموعهم، وربطهم بالطرقات والمسالك إلى البحر المتوسط، بأن الأولى أن تهيئ الجزائر لنفسها طرقها وموانئها وسككها الحديدية وبنياتها التحتية لنقل حديد غار جبيلات الحبيس إلى الموانئ المتوسطية، ولنقل مواطنيها الحبيسين في الصحاري أو الراغبين في الانتقال إليها سياحة أو زيارة أو تجارة، ثم بعد ذلك يمكنها أن تقترح مشروع الربط والنقل والفتح على دول الساحل. ومن جهة ثالثة، فإن من عجائب هذه المبادرة الانفتاحية المضحكة والمزيفة أنها تأتي في سياق تصاعد التوتر بين دولة العصابة ودول الساحل جراء الممارسات العدائية للعصابة ضدها، واستهدافها في سيادتها وتدخلها في شؤونها الداخلية، ومن غريب الصدف أنه في الوقت الذي كان فيه تبون يلقي فكرة المبادرة المتوسطية الوهمية، كانت دولة مالي بالجوار الجنوبي الجزائري الإفريقي المعنية بالمبادرة التبونية ترفع دعوى قضائية إلى محكمة العدل الدولية ضد نظام العصابة بعد استنفاذها كل السبل للحصول من الجزائر على تفسير بشأن الاعتداءات التي تعرضت لها مالي، خصوصا ما تعلق منها باستهداف طائرتها المسيرة وإسقاطها في مارس الماضي، أثناء عمليات استطلاعية وتعقبية لجماعات مسلحة بمنطقة “كيدال” فوق التراب المالي، ولطالما نددت الدولة المالية بالأعمال العدائية ضدها والتي تقوم بها العصابة الحاكمة في الجزائر، وأحبطت أكثر من مرة خلال السنتين الأخيرتين محاولات زعزعة استقرارها والمساس بسيادتها والتدخل في شؤونها الداخلية، إلى الحد الذي انتهت فيه العصابة إلى تأجيج تضامن دول الساحل مع مالي ضد هذه الأعمال العدائية المبيتة. فهل يطمع تبون وعصابته، وهو لم يقم بأدنى خطوة دبلوماسية في اتجاه طمأنة دول الساحل وتهدئة جبهته الحدودية الجنوبية المشتعلة، في التصفيق لمبادرة وهمية دعائية لا صلة لدول الساحل بها، وهي المعنية قبل غيرها بالعبور إلى المتوسط عبر طرقات وسكك الجزائر غير القائمة، وموانئها غير الجاهزة، وأين هذه الموانئ العتيقة والبئيسة من ميناء طنجة المتوسط النشيط والعامل والأول في منطقته ومحيطه الإفريقي والأوروبي، وميناء الداخلة القادم الذي دخل مرحلة إنهاء الأشغال به.

ليس قصدنا مقارنة ما لا يمكن مقارنته، ولا التدخل في شأن داخلي جزائري، أو مقترح للعصابة لفك العزلة نظريا عنها، وإنما أوردنا هذه المعطيات للرد على إعلام العصابة الذي اختار طيلة أسبوع المعرض التجاري البيني الإفريقي بالجزائر، أن يستفز بما سمي بالمبادرة المتوسطية لتبون، بلدنا ويسفه مشروعا تنمويا استراتيجيا كبيرا ومدعوما في غرب إفريقيا، قائم على المبادرة الأطلسية الملكية ذات المصداقية والموثوقية والتوجه التنموي السلمي المجسد لمبادئ التعاون والشراكات الإفريقية البينية الحقيقية لرفع تحديات التنمية والسلام والأمن والاستقرار، وليس قائما على انفعال ورد فعل ومزايدة وتصفية حسابات ضيقة ومنحطة، وخديعة ودسيسة ضد دول الجوار، كما هو حال مبادرة وهمية لقرصان في سوق نخاسة ومعرض دعائي فارغ.

على إعلام العصابة المحموم أن يعلم أن المبادرة الأطلسية المغربية وقبل طرحها على الأشقاء الافارقة، واحتضانها من قبل المستثمرين والشركاء الدوليين، قد وفر لها المغرب سبل النجاح والدعم، عبر التفكير في أساساتها المتمثلة في مشاريع الربط الطرقي والسككي والبنى التحتية بين ربوع المملكة، خصوصا في أقاليمنا الجنوبية العامرة والنامية، والتي هي على مقربة من إنهاء أشغال تشييد ميناء الداخلة جوهرة موانئ المغرب المحتضنة لعبور البضائع والسلع والبشر والمبادلات بين إفريقيا وسائر بلاد العالم…

شتان إذا بين مبادرات للبناء والتنمية القارية تتمتع بالمصداقية والواقعية والنجاعة والفعالية والدعم الدولي، فضلا عن سلامتها من نزعات الكراهية والعدوان أو استهداف طرف ما بالسوء والضرر، ومبادرة وهمية غير مقنعة لأحد، لغياب شروط وظروف وآليات وإرادات تنفيذها، بل هي قائمة على الدس والخديعة والعداء وجمع أحلاف لتكريس الخصومات والاستفزازات، وتوريط الدول المستضعفة في وهم وشر مستطير يتربص سوءا بالعلاقات القارية والشراكات الدولية الاستراتيجية التي لا تحترم العصابة التزاماتها، ولا تكف عن بث الطاقة السلبية التدميرية في أركانها، وتعتد بكل وقاحة بنقضها وتخريبها بحجة أنها صاحبة السيادة والقوة الضاربة والهيمنة التي لا يشق لها غبار في القطائع واحتمال الخسارات والانتكاسات، وجلبها وتحويلها بالتالي إلى انتصارات أمام الشعب الجزائري الذي لا يسأل عن طرقات ولا سكك ممدودة ولا بنى تحتية جديدة، بقدر سؤاله عن عجلات السيارات والشاحنات والناقلات والحافلات المتهالكة، المفتقدة في الأسواق الداخلية ولا سبيل إلى ترقيعها أو جلب بديل جديد عنها إلا بسقوط ضحايا وأبرياء في وديان من الدماء المختلطة بالمياه العادمة التي تصب في البحر المتوسط جارفة معها الخطبة الافتتاحية لتبون عن التجارة الإفريقية المتوسطية الجزائرية البينية الحبيسة في المواسير.

 لقد أضافت العصابة الحاكمة في الجزائر إلى رداءة الاستنساخ للمبادرة الأطلسية كعادتها في كل قرصنة، سوء الطوية وفساد النية، وقصر النظر وغياب الرؤية التنموية السلمية وانحباس الإبداع، والقصد إلى العرقلة، وانعدام المصداقية والجدية والموثوقية، الأمر الذي يجعل مبادراتها، من هذا النوع، علامة صارخة على صورة الدولة الحبيسة سياسيا، والمعزولة ديبلوماسيا واقتصاديا، والمنبوذة ثقافيا ونفسيا وأخلاقيا، التي تسوق لقدراتها الوهمية على فك نحس الانحباس عن غيرها من الدول المحترمة المؤهلة للانفتاح والولوج الميسر إلى الأسواق الدولية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock