آخر أخبارحديث الأربعاءرأي

الحفاظ على المكتسبات وتوسيعها

شهد المغرب يوم الأحد التاسع عشر من أكتوبر الجاري، حدثين تاريخيين غير مسبوقين في مسيرة المغرب الصاعد، هما عنوان التلاحم بين الملك والشعب في تحقيق الانتصارات على كل عوامل الإحباط والتيئيس والتبخيس للمنجزات ولمخططات التنمية ومكتسبات الأمة والشعب:

ـ أول الحدثين، ما أسفر عنه المجلس الوزاري مساء اليوم نفسه، والذي ترأسه جلالة الملك من قرارات رائدة وإجراءات جريئة لتوسيع المكتسبات، ومعالجة الاختلالات في القطاعات والبرامج التي شهدت تعثرا غير مقبول في مواكبة السرعة المتصاعدة والمتميزة التي تسير بها المشاريع التنموية والهيكلية الكبرى التي يقودها جلالته، فضلا عن إطلاق جيل جديد من برامج التنمية لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية المطلوبة. وحيث إن هذه الاختلالات اتخذت ذريعة ظاهرة لإخراج آلاف الشباب إلى الشارع للاحتجاج على تردي الخدمات الصحية والتعليمية، بينما كانت الأجندات الحاقدة تركب هذا الفعل الاحتجاجي لتصريف مخططاتها التخريبية في إطار الحرب الرقمية المكثفة الموجهة إلى المغرب، على خلفية انتصاراته الساحقة على خصوم وحدته الترابية، وعلى فلول الاستعمار والاحتكار التي لم تهضم بعد زحف المشاريع النهضوية المغربية على ما تبقى لها من بؤر للهيمنة والنهب في القارة الإفريقية، واكتساح الشراكات المغربية المتميزة والواعدة لمحيطها الإقليمي والقاري بالغرب الإفريقي خاصة، فإن جميع القوى الحية بالبلاد، بما فيها قوى شباب الجيل الذي خرج للتظاهر والاحتجاج السلمي، قد تفطنت إلى اندساس شعارات تخريبية وعدمية إلى المطالب المرفوعة، وعادت سواء إلى ميدان العمل أو ميدان النقد والاحتجاج لتحويل الفعلين التدبيري أو الاحتجاجي والاعتراضي إلى قوة اقتراحية، ومنها إلى المساهمة في صناعة القرار، وبالتالي إلقام التوجهات العدمية والتيئيسية وخطابات الكراهية والتبخيس حجرا.

ففي ضوء التوجيهات الملكية السامية، تم إعداد مشروع آخِر ميزانية في الولاية التشريعية والحكومية الحالية، ليتضمن إجابات عملية حاسمة عن مطالب الإصلاح والتغيير في مغرب صاعد، وفي اتجاه تحقيق تنمية وطنية متوازنة، تجمع من جهة بين استكمال حلقات دعم المشاريع الاستثمارية الكبرى وتكريسها وتوسيعها، ومن جهة أخرى تحسين الخدمات الاجتماعية الصحية والتعليمية خاصة، بهدف استفادة جميع المواطنين بمختلف فئاتهم وجهاتهم منها على قدم المساواة.

ولتعزيز هذا التوجه وتنفيذا للتعليمات الملكية، ستشهد سنة 2026 وبناء على المجهود المالي المضاعف الذي يتعين على الحكومة تعبئته، إعطاء الأولوية لإحداث مناصب شغل جديدة للشباب، منها 27 ألف منصب مالي لفائدة قطاعي الصحة والتعليم، وكذا إحداث مراكز استشفائية جامعية جديدة، وافتتاح أخرى وتجهيز القائم منها، وتنزيل خارطة الطريق لإصلاح المنظومة التربوية، حيث خصص للقطاعين المعنيين غلاف مالي إجمالي يقدر بـ 140 مليار درهم. هذا من جهة مساهمة ميزانية 2026، في الاستجابة لمطالب تحسين خدمات قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل، أما عن أسئلة محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، وإشراك الشباب في صنع القرار، وإفراز نخب جديدة قادرة على تحمل المسؤولية، فإن المجلس الوزاري المذكور تدارس مشروعي قانونين تنظيميين يتعلق أحدهما بمجلس النواب والآخر بالأحزاب السياسية، من أهم ما جاء فيهما تحصين الولوج إلى المؤسسة النيابية، باستبعاد ولوج كل من ضبط متلبسا بارتكاب جرائم تمس بسلامة ونزاهة العمليات الانتخابية، أو صدرت في حقه أحكام تفقده الأهلية للترشح والانتخاب، مما يشكل مدخلا رائدا، لا غنى عنه في محاربة تسلل الفساد والإفساد إلى المؤسسات. هذا فضلا عن دعم ولوج الشباب إلى الحقل السياسي المؤسستي، بمراجعة العديد من شروط ترشحهم الانتخابي وتبسيطها وتيسيرها، ومن خلال تخصيص دعم مالي مهم لتحمل مصاريف حملاتهم الانتخابية، وتخصيص دوائر انتخابية حصرية لصالح النساء، وتحسين حكامة الأحزاب السياسية، وتأهيل عملها للاستجابة لمطالب التشبيب والديمقراطية والشفافية، ومواكبة التحولات العميقة في المجتمع المغربي.

كان هذا المجلس الوزاري المنعقد برئاسة جلالة الملك، وفي سياق التدافعات والاحتجاجات والمرافعات والنقاشات العمومية المفتوحة بشأن الإصلاح والتغيير، وبما تضمنه من إجابات فعلية وعملية عن أسئلة مجتمعية حارقة، وبما أرسله من إشارات قوية ورسائل إيجابية في التفاعل مع المطالب، وصناعة الأمل، وإعادة الثقة إلى العمل الجاد والمسؤول، لحظة فارقة في ضبط عقارب الساعة المغربية على أجندة التغيير الحقيقية والملموسة، وفي استيعاب تام لحركية المجتمع ضمن الدينامية الوطنية للمشاريع التنموية الكبرى، وفي تحويل الفعل الاحتجاجي والنقدي إلى طاقة إيجابية للعمل والبناء والعطاء، والإسهام في حل المعضلات والمشاكل، بدعم المكتسبات أولا، ثم طلب توسيعها وتثمينها وتنميتها لتتسع للجميع ثانيا.

ـ ثاني الحدثين، بعد ختم المجلس الوزاري المذكور، هو إضاءة ليل اليوم نفسه والثلث الأخير من اليوم بعده بأنوار النصر المبين لمنتخب الشباب المغربي لكرة القدم في مباريات كأس العالم التي جرت أطوارها بدولة الشيلي. فعلى يد ثلة من شبابنا الأقل من 20 سنة والمحسوبين على “جيل ز” الجديد، ارتفعت راية الوطن في هذا المحفل الرياضي الدولي، بانتزاع الفريق الوطني المغربي الشاب البطولة الكروية من معاقلها، والظفر عن جدارة واستحقاق بكأس العالم لهذه الفئة العمرية، متجاوزا أعتى المنتخبات العالمية العريقة التي احتكرت لعقود من الزمن هذا الانتصار… وبعد أن كانت ساحات المدن المغربية وشوارعها، قبل أسبوع، تكتظ بالمتظاهرين والمحتجين على اختلالات منظومتي الصحة والتعليم، من شباب “جيل ز”، وتندس في صفوفهم أجندات متربصة، تحرض على ضرب وتخريب الأوراش الرياضية الوطنية والاستثمارات في الرياضة، يضاء ليل العالم بأسره بهذا المنجز الرياضي الباهر بأقدام شبابنا الرافض للهزيمة ولخطاب التيئيس والتبخيس، والمؤمن بالنصر، والواثق في خطواته وخطوات مؤسسات بلاده، والفخور بوطنه، والحريص على مكتسباته وصورته المشرقة بين الأمم، فكان بدوره فخرا وعزا لهذا الوطن، استحقت نجوميتُه الساطعة، أن يعود المواطنون والشباب إلى الشوارع والساحات من جديد، ليملؤوها هذه المرة نورا وحبورا، ورايات خفاقة وهتافات بالنصر لبلدهم وفرحا بنجاحاتها، ويمسحوا الصور المسيئة والمشاهد البئيسة العارضة التي تسببت فيها انزلاقات معزولة نحو أجندات الفوضى والتخريب المدسوسة.

كان شبابنا ومعه المغرب الموحد بأكمله، مساء الأحد وليلة الإثنين، على موعد مع هذين الحدثين التاريخيين البارزين والمضيئين في المغرب الصاعد نحو المجد، الذين سيكون لهما ما بعدهما، على درب تتويج مسيرة الثقة والأمل، والانتصار للوطن ولقيم المواطنة الحقة، بقيادة ملكية مواطنة لا تخشى اقتحام العقبات، وتحدي الإكراهات، وتكريس الحريات، وتوطيد أسس الدولة الاجتماعية، وتثبيت دعائم دولة الحق والقانون، وتأهيل جيل جديد من الموارد البشرية والبرامج التنموية والنهضوية، من أجل استلام مشعل ثورة الملك والشعب على كل مظاهر الظلم والفساد، والتخلف والكساد، والتهميش والإقصاء. ولمثل هذا فليعمل العاملون وليتنافس المتنافسون.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock