أثار حادث وفاة رضيعة داخل حضانة بطنجة صدمة واسعة وسط الرأي العام، وأعاد إلى الواجهة نقاشا حساسا حول العنف الذي قد يمارسه الأطفال الصغار داخل محيط الرعاية.
وفي هذا السياق، أجرت “رسالة24 ” حوارا مع الدكتورة يسرى اسباعي، طبيبة نفسية للأطفال والمراهقين وعضوة متطوعة في الجهاز الوطني للصدمات النفسية للطفل، للوقوف على العوامل النفسية والبيئية التي قد تدفع طفلة في سن صغيرة إلى ممارسة سلوك عنيف، وكيف يمكن للأسر والمربين اكتشاف هذه المؤشرات المبكرة والتعامل معها بطرق تربوية وعلاجية دون اللجوء إلى العقاب القاسي.
ما العوامل النفسية أو البيئية التي يمكن أن تدفع طفلة في سن صغيرة إلى ممارسة العنف ضد رضيعة؟
رغم وقوع عنف من طفلة في سن 6 أو 7 سنوات يثير صدمة، إلا أن تفسير هذا السلوك يحتاج إلى فهم نفسي وتربوي دقيق. في هذا العمر يبدأ الطفل باكتساب القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب وفهم أثر أفعاله على الآخرين، لكن بعض الأطفال قد يلجؤون إلى السلوك العدواني عند فقدان القدرة على التعبير عن مشاعر قوية كالغيرة أو الغضب أو الإحساس بالإهمال، أو رغبة في لفت الانتباه. كما أن التعرض المباشر أو غير المباشر للعنف، أو عبر الشاشات قد يلعب دورا إذ يميل الأطفال إلى تقليد ما يرونه من نماذج سلوكية. ولا يمكن إغفال احتمال وجود صعوبات نفسية أو اضطراب سلوكي يؤثر على القدرة على التحكم بالاندفاعات أو على نمو التعاطف، ما يتطلب تقييما متخصصا.
هل يمكن اعتبار هذا السلوك انعكاسا لتجارب عنف سابقة عاشتها الطفلة داخل البيت أو الحضانة نفسها؟
نعم، هذا احتمال يجب أخذه بعين الإعتبار، فالدراسات تشير إلى أن الطفل الذي يعيش العنف أو يشاهده غالبا ما يعيد إنتاجه لاحقا. قد تكون الطفلة قد شهدت عنفا بين الوالدين، أو تعرضت لعقاب جسدي أو لإهانة وتخويف، أو عاشت إهمالا عاطفيا أو تأثرت بسلوكيات عنيفة داخل محيط الرعاية مثل الحضانة. لا يعني ذلك الجزم بوجود هذه العوامل، لكنه احتمال قوي يستحق التقييم من طرف مختصين، مع عدم استبعاد إمكانية وجود اضطراب نفسي أو صعوبة في التحكم بالانفعالات، الأمر الذي يحتاج أيضا إلى فحص ودعم مناسب.
كيف يمكن للأسرة والمربين اكتشاف المؤشرات المبكرة للسلوك العدواني لدى الأطفال قبل أن يتحول إلى فعل مؤذ؟
يمكن اكتشاف هذه المؤشرات من خلال ملاحظة تكرار السلوك واستمراره عبر الوقت، فالتكرار هو ما يجعل السلوك مقلقا ويستدعي التدخل.
إذا ظهرت ممارسات متكررة مثل ضرب أو قرص أو عض الأطفال، أو الاستمتاع بإيذاء الآخرين أو الحيوانات مع صعوبات واضحة في التحكم بالعواطف، واندفاعية عالية وعدم تحمل الإحباط، ونوبات غضب شديدة فهذه علامات مهمة. كما قد يظهر الطفل صعوبة في التعاون والتواصل، غيرة حادة، انسحابا اجتماعيا، أو توترا ملحوظا. هذه السلوكيات لا تعني بالضرورة وجود اضطراب نفسي، لكن استمرارها وظهورها في أكثر من سياق “المنزل، المدرسة، الحضانة” يشير إلى ضرورة التقييم المبكر والتدخل التربوي أو النفسي السريع.
ما المقاربات التربوية والعلاجية الأنسب للتعامل مع طفلة ارتكبت فعلا عنيفا كهذا دون اللجوء إلى أساليب العقاب القاسية؟
تبدأ العملية بتقييم شامل للطفلة وبيئتها لفهم السياق النفسي والعاطفي والاجتماعي الذي تعيشه، ومعرفة ما إذا كانت تعرضت لعنف أو إهمال أو صدمات سابقة.
بعد ذلك، تأتي التدخلات المبكرة التي تركز على تعديل السلوك، وتعليم الطفل مهارات التحكم بالعواطف والتعامل مع الإحباط، مع إشراك الأسرة والمربين لدعمها وتوفير بيئة آمنة ومتوازنة. الطفل لا يولد عنيفا، العنف عند الطفل هو رسالة ألم، وليس شرا فطريا. مسؤوليتنا كبالغين حماية الأطفال وتعليمهم ومرافقتهم باستمرار.

